وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكُومَةٌ تَلِيقُ بِجِنَايَتِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْلُغَ مَجْمُوعُ الْحُكُومَتَيْنِ دِيَةَ الْيَدِ، وَعَنْ صَاحِبِ «التَّقْرِيبِ» حِكَايَةُ قَوْلِ: إِنَّهُ يُقْطَعُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا قَطَعَ إِنْ أَمْكَنَ ضَبْطُهُ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ جَزَّا حَدِيدَةً جَزَّ الْمِنْشَارِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُمَا فِعْلَانِ مُتَمَيِّزَانِ.
وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: هُوَ اشْتِرَاكٌ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ.
قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا يُصَوِّرُ صُورَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَتَعَاوَنَا فِي كُلِّ جَذْبَةٍ وَإِرْسَالَةٍ، فَتَكُونُ مِنْ صُوَرِ الِاشْتِرَاكِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَجْذِبَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى جِهَةِ نَفْسِهِ، وَيَفْتُرُ عَنِ الْإِرْسَالِ فِي جِهَةِ صَاحِبِهِ، فَيَكُونُ الْبَعْضُ مَقْطُوعُ هَذَا، وَالْبَعْضُ مَقْطُوعُ ذَاكَ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ.
الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يُوجِبُ قِصَاصَ الطَّرَفِ.
الْجِنَايَاتُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: جُرْحٌ يَشُقُّ، وَقَطْعٌ يُبِينُ، وَإِزَالَةُ مَنْفَعَةٍ بِلَا شَقٍّ وَلَا إِبَانَةٍ.
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الْجُرْحُ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ فِي الْجُمْلَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ)
[الْمَائِدَةُ: 45] ثُمَّ تَنْقَسِمُ إِلَى وَاقِعَةٍ عَلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَإِلَى غَيْرِهَا.
الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: الْوَاقِعَةُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَتُسَمَّى الشِّجَاجُ، وَهِيَ عَشْرٌ، إِحْدَاهَا: الْحَارِصَةُ وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ الْجِلْدَ قَلِيلًا نَحْوَ الْخَدْشِ، وَتُسَمَّى الْحَرْصَةُ أَيْضًا.
الثَّانِيَةُ: الدَّامِيَةُ: وَهِيَ الَّتِي تُدْمِي مَوْضِعَهَا مِنَ الشَّقِّ وَالْخَدْشِ، وَلَا يَقْطُرُ مِنْهَا دَمٌ، هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ اللُّغَةِ.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: فَإِنْ سَالَ مِنْهَا دَمٌ، فَهِيَ الدَّامِعَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا: سَيَلَانُ الدَّمِ وَهُوَ خِلَافُ الصَّوَابِ.