وَلَوْ قَالَ لَهُ: يَا زَانِيَةُ، أَوْ لَهَا: يَا زَانٍ، أَوْ يَا زَانِي، فَهُوَ قَذْفٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَحُكِيَ قَوْلٌ قَدِيمٌ.

فَرْعٌ

قَالَ: زَنَأْتَ فِي الْجَبَلِ بِالْهَمْزِ، فَلَيْسَ بِقَذْفٍ إِلَّا أَنْ يُرِيدَهُ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ الصُّعُودُ، وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْقَذْفَ، فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ الْمُدَّعِي، وَاسْتَحَقَّ حَدَّ الْقَذْفِ. وَلَوْ قَالَ: زَنَأْتَ فِي الْبَيْتِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَذْفٌ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الصُّعُودِ فِي الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ.

قُلْتُ: هَذِهِ عِبَارَةُ الْبَغَوِيِّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَيْتِ دَرَجٌ يَصْعَدُ إِلَيْهِ فِيهَا، فَقَذْفٌ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ، فَوَجْهَانِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ قَالَ: زَنَأْتَ، أَوْ يَا زَانِئُ بِالْهَمْزِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، فَفِيهِ أَوْجُهٌ.

أَصَحُّهَا: لَيْسَ بِقَذْفٍ إِلَّا أَنْ يُرِيدَهُ، وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَذْفٌ. وَعَنِ الدَّارِكِيِّ أَنَّ أَبَا أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيَّ نَسَبَهُ إِلَى نَصِّهِ فِي «الْجَامِعِ الْكَبِيرِ» . وَالثَّالِثُ: إِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ، فَلَيْسَ بِقَذْفٍ بِلَا نِيَّةٍ، وَإِلَّا فَقَذْفٌ. وَلَوْ قَالَ: زَنَيْتَ فِي الْجَبَلِ وَصَرَّحَ بِالْيَاءِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَذْفٌ. وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: قَذْفٌ مِنْ عَارِفِ اللُّغَةِ دُونَ غَيْرِهِ.

قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا: يَا زَانِيَةُ فِي الْجَبَلِ بِالْيَاءِ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «كِتَابِ اللِّعَانِ» مِنْ «الْأُمِّ» ، أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي «التَّلْخِيصِ» وَنَقَلَ الْفُورَانِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصَّ أَنَّهُ قَذْفٌ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي «الْوَسِيطِ» وَصَاحِبُ «الْعُدَّةِ» ، وَلَمْ أَرَ هَذَا النَّقْلَ لِغَيْرِ الْفُورَانِيِّ وَمُتَابِعِيهِ، وَلَمْ يَنْقُلْهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، فَلْيَعْتَمِدْ مَا رَأَيْتُهُ فِي «الْأُمِّ» ، فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا، كَانَ قَوْلًا آخَرَ، وَنَقَلَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» ، أَنَّ قَوْلَهُ: زَنَأْتَ فِي الْجَبَلِ، صَرِيحٌ مِنْ جَاهِلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015