ثَالِثٌ قَالَهُ صَاحِبُ «الْحَاوِي» : إِنْ قَدَرَ الْعَبْدُ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْ غَاصِبِهِ بِهَرَبٍ إِلَى سَيِّدِهِ، أَجْزَأَهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَنَافِعِ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخَلَاصِ، فَالْإِجْزَاءُ مَوْقُوفٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِتْقُهُ مَوْقُوفًا كَالْغَائِبِ إِذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَوِيٌّ جِدًّا، وَحَيْثُ صَحَّحْنَا عِتْقَ الْغَائِبِ، وَالْآبِقِ، وَالْمَغْصُوبِ، أَجْزَأَهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، سَوَاءٌ عَلِمَ الْعَبْدُ بِالْعِتْقِ أَمْ لَا، لِأَنَّ عِلْمَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ، فَكَذَا فِي الْإِجْزَاءِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ «الْحَاوِي» . - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: خُلُوُّ الْإِعْتَاقِ عَنْ شَوْبِ الْعِوَضِ، فَلَوْ أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ دِينَارًا مَثَلًا، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ وَجْهًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَاصِلٌ، وَيَسْقُطُ الْعِوَضُ، كَمَا لَوْ قَالَ: صَلِّ الظُّهْرَ لِنَفْسِكَ وَلَكَ دِينَارٌ، فَصَلَّى، أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَلَوْ شَرَطَ عِوَضًا عَلَى غَيْرِ الْعَبْدِ، فَلَوْ قَالَ الْإِنْسَانُ: أَعْتَقْتُ عَبْدِي هَذَا عَنْ كَفَّارَتِي بِأَلْفٍ عَلَيْكَ، فَقَبِلَ، أَوْ قَالَ لَهُ إِنْسَانٌ: أَعْتِقْهُ عَنْ كَفَّارَتِكَ، وَعَلَيَّ كَذَا، فَفَعَلَ، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَسَوَاءٌ قَدَّمَ فِي الْجَوَابِ ذِكْرَ الْكَفَّارَةِ، فَقَالَ: أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَتِي بِأَلْفٍ عَلَيْكَ، أَوْ عَكَسَ، فَقَالَ: أَعْتَقْتُهُ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْكَ أَلْفًا عَنْ كَفَّارَتِي.
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَجْهٌ أَنَّهُ إِذَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْكَفَّارَةِ، أَجْزَأَهُ وَسَقَطَ الْعِوَضُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَسَوَاءٌ قَالَ فِي الْجَوَابِ: أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَتِي، عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْكَ كَذَا، أَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَتِي، فَإِنَّهُ يُبْنَى عَلَى الْخِطَابِ وَالِالْتِمَاسِ، وَفِي اسْتِحْقَاقِهِ الْعِوَضُ عَلَى الْمُلْتَمِسِ وَجْهَانِ سَنَذْكُرُهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَخْتَصَّانِ بِمَا إِذَا قَالَ: أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَتِكَ، بَلْ يُجْزِئَانِ فِيمَا إِذَا الْتَمَسَ مِنْهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ عَنْ نَفْسِهِ مُطْلَقًا بَعِوَضٍ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا وَقَعَ الْعِتْقُ، وَلَهُ الْوَلَاءُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَسْتَحِقُّ عِوَضًا، فَعَمَّنْ يَقَعُ الْعِتْقُ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: عَنْ بَاذِلِ الْعِوَضِ، وَبِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ.