وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَالِمًا بِبُطْلَانِ مَا جَرَى، وَبَيْنَ تَطْلِيقِهَا جَاهِلًا بِبُطْلَانِهِ؟ قَالَ الْقَاضِيَ حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ: يُفَرَّقُ وَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ إِذَا طَلَّقَهَا عَالِمًا، بَلْ يَقَعُ رَجْعِيًّا، وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ، وَاسْتَشْهَدَ بِالْخُلْعِ عَلَى الْخَمْرِ وَسَائِرِ الْأَعْوَاضِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْمَالِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ.
وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْغَدِ، نَفَذَ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ قَوْلَهَا، فَكَانَ مُبْتَدِئًا، فَإِنْ ذَكَرَ مَالًا، اشْتُرِطَ فِي وُقُوعِهِ الْقَبُولُ.
الثَّانِيَةُ: قَالَتْ: لَكَ أَلْفٌ إِنْ طَلَّقْتَنِي فِي هَذَا الشَّهْرِ وَلَمْ تُؤَخِّرْ تَطْلِيقِي عَنْهُ، أَوْ قَالَتْ: خُذْ هَذَا الْأَلْفَ عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي فِي هَذَا الشَّهْرِ مَتَى شِئْتَ، فَهُوَ بَاطِلٌ وَأَوْلَى بِالْبُطْلَانِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْغَدِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الشَّهْرِ كَانَ مُبْتَدِئًا، وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الشَّهْرِ، وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا. وَفِي الْمَالِ الْوَاجِبِ الطَّرِيقَانِ.
وَلَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْمَجْلِسِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ، وَفِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، أَنَّهَا إِذَا قَالَتْ: مَتَى طَلَّقْتَنِي فَلَكَ أَلْفٌ يُشْتَرَطُ التَّطْلِيقُ فِي الْمَجْلِسِ.
وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ، أَحَدُهُمَا: طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا، وَالْمَذْهَبُ: الْفَرْقُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ «مَتَى» ظَاهِرٌ فِي جَوَازِ التَّأَخُّرِ، لَكِنَّ قَرِينَةَ الْعِوَضِ خَصَّتْهَا بِالْمَجْلِسِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَهُنَا صَرَّحَتْ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ، فَضَعُفَتِ الْقَرِينَةُ عَنْ مُقَاوَمَةِ الصَّرِيحِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّسْوِيَةِ: هِيَ اشْتِرَاطُ الْمَجْلِسِ وَعَدَمِهِ، وَالْمُسَمَّى صَحِيحٌ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِلَا خِلَافٍ.
الثَّالِثَةُ: قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ طَلَاقًا يَمْتَدُّ تَحْرِيمُهُ إِلَى شَهْرٍ، ثُمَّ أَكُونُ فِي نِكَاحِكَ حَلَالًا لَكَ، فَطَلَّقَهَا كَذَلِكَ، وَقَعَ الطَّلَاقُ مُؤَبَّدًا، وَفِي قَدْرِ الْمَالِ الْوَاجِبِ