الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَهُوَ يَمْلِكُ الثَّلَاثَ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ بِأَلْفٍ وَثِنْتَيْنِ مَجَّانًا، فَنَقَلَ الْفُورَانِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمْ، أَنَّ الْأُولَى تَقَعُ بِثُلُثِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِوَاحِدَةٍ إِلَّا بِثُلُثِ الْأَلْفِ كَالْجَعَالَةِ، وَلَا يَقَعُ الْأُخْرَيَانِ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ: الْقِيَاسُ الْحَقُّ، أَنْ لَا تَجْعَلَ كَلَامَهُ جَوَابًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا سَأَلَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ إِلَّا بِالْأَلْفِ، وَإِذَا لَمْ يُوَافِقْ كَلَامُهُ سُؤَالَهَا، كَانَ مُبْتَدِئًا، فَإِذَا لَمْ تَقْبَلْ، لَا تَقَعُ الطَّلْقَةُ، كَمَا لَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِثُلُثِ أَلْفٍ، فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ، لَا يَقَعُ.
وَإِذَا لَمْ تَقَعِ الْوَاحِدَةُ، وَقَعَ الْأُخْرَيَانِ رَجْعِيَّتَيْنِ، وَتَابَعَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا قَالَ، وَهُوَ حَسَنٌ مُتَّجِهٌ، وَالْأَوَّلُ بَعِيدٌ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ مَا فِي «التَّهْذِيبِ» ، أَنَّهُ تَقَعُ الْوَاحِدَةُ بِالْأَلْفِ، وَلَا تَقَعُ الْأُخْرَيَانِ، وَلَعَلَّهُ غَلَطٌ مِنَ النَّاسِخِ.
وَلَوْ سَأَلَتْهُ الثَّلَاثَ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَثِنْتَيْنِ مَجَّانًا، فَقَدْ وَافَقَ كَلَامُهُ مَا اقْتَضَاهُ السُّؤَالُ مِنَ التَّوْزِيعِ، وَزَالَ الْإِشْكَالُ، فَتَبِينُ بِالْأُولَى، وَلَا تَقَعُ الْأُخْرَيَانِ، وَنَقَلَ الْأَئِمَّةُ: إِنْ أَمْكَنَ تَأْوِيلُهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَلْيَفْعَلْ.
وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ ثِنْتَيْنِ بِأَلْفٍ وَوَاحِدَةً مَجَّانًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ: تَقَعُ الثِّنْتَانِ بِثُلُثَيِ الْأَلْفِ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَقَعَانِ. وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً مَجَّانًا وَثِنْتَيْنِ بِثُلُثَيِ الْأَلْفِ، أَوْ ثِنْتَيْنِ مَجَّانًا وَوَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَقَعَ مَا أَوْقَعَهُ مَجَّانًا، وَيُبْنَى مَا بَعْدَهُ عَلَى مُخَالَفَةِ الرَّجْعِيَّةِ إِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَالْجَدِيدُ صِحَّتُهُ.
فَعَلَى هَذَا: تَقَعُ الثِّنْتَانِ بِثُلُثَيِ الْأَلْفِ، وَعَلَى الْقَدِيمِ: يَقَعَانِ بِلَا عِوَضٍ لِمَا سَبَقَ أَنَّ خُلْعَ الرَّجْعِيَّةِ عَلَى هَذَا كَالسَّفِيهَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا، بَانَتْ بِمَا أَوْقَعَهُ مَجَّانًا، فَلَا يَقَعُ مَا بَعْدَهُ.