الضَّرْبُ الثَّالِثُ: التَّخْفِيفَاتُ وَالْمُبَاحَاتُ. وَمَا أُبِيحَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ قِسْمَانِ. أَحَدُهُمَا: مُتَعَلِّقٌ بِغَيْرِ النِّكَاحِ، فَمِنْهُ الْوِصَالُ فِي الصَّوْمِ، وَاصْطِفَاءُ مَا يَخْتَارُهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِنْ جَارِيَةٍ وَغَيْرِهَا، وَيُقَالُ لِذَلِكَ الْمُخْتَارِ: الصَّفِيُّ وَالصَّفِيَّةُ، وَالْجَمْعُ: الصَّفَايَا. وَمِنْهُ، خُمْسُ خُمْسِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ، وَدُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ. وَمِنْهُ، أَنَّهُ لَا يُورَثُ مَالُهُ. ثُمَّ حَكَى الْإِمَامُ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا تَرَكَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ كَمَا كَانَ يُنْفِقُ فِي حَيَاتِهِ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَالثَّانِي: أَنَّ سَبِيلَ مَا خَلَّفَهُ سَبِيلُ الصَّدَقَاتِ، وَبِهَذَا قَطَعَ أَبُو الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيُّ فِي (الْجُرْجَانِيَّاتِ) . ثُمَّ حَكَى وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ وَقْفًا عَلَى وَرَثَتِهِ؟ وَأَنَّهُ إِذَا صَارَ وَقْفًا، هَلْ هُوَ لِلْوَاقِفِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ؟ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: كُلُّ هَذَا ضَعِيفٌ، وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ مَا تَرَكَهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْوَرَثَةُ. وَكَيْفَ يَصِحُّ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ) ؟ فَهَذَا نَصٌّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَهَذِهِ الْخَصْلَةُ، عَدَّهَا الْغَزَالِيُّ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ، وَعَدَّهَا الْأَكْثَرُونَ مِنَ الضَّرْبِ الرَّابِعِ. وَمِنْهُ، أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ، وَفِي غَيْرِهِ خِلَافٌ. وَأَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَأَنْ يَشْهَدَ لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ، وَأَنْ يَقْبَلَ شَهَادَةَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ،