فِيهِ عَشَرَةُ أَبْوَابٍ.
[الْبَابُ] الْأَوَّلُ: فِي بَيَانِ أَسْبَابِ التَّوْرِيثِ وَالْوَرَثَةِ وَقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ، وَنُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَنْ يُبْدَأَ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ غَيْرُهُ. فَإِنْ تَعَلَّقَ كَالْمَرْهُونِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ زَكَاةٌ وَالْعَبْدِ الْجَانِي، وَالْمَبِيعِ إِذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا قُدِّمَ حَقُّ الْغَيْرِ، ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلِلْوَرَثَةِ إِمْسَاكُ مَا تَرَكَهُ، وَغَرَامَةُ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِمْ كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ، ثُمَّ تُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي، ثُمَّ يُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى.
أَسْبَابُ التَّوْرِيثِ أَرْبَعَةٌ: قَرَابَةٌ، وَنِكَاحٌ، وَوَلَاءٌ، وَجِهَةُ الْإِسْلَامِ. وَالْمُرَادُ بِجِهَةِ الْإِسْلَامِ: أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا بِالْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ، وَفَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ، كَانَ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ بِالْعُصُوبَةِ، كَمَا يَحْمِلُونَ دِيَتَهُ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ. وَفِي وَجْهٍ: أَنَّهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى سَبِيلِ الْمَصْلَحَةِ لَا إِرْثًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنِ ابْنِ عَمٍّ بَعِيدٍ، فَأُلْحِقَ ذَلِكَ بِالْمَالِ الضَّائِعِ الَّذِي لَا يُرْجَى ظُهُورُ مَالِكِهِ. وَحَكَى ابْنُ اللَّبَّانِ وَالرُّويَانِيُّ هَذَا قَوْلًا. قَالَ الْمُتَوَلِّي: فَإِنْ جَعَلْنَاهُ إِرْثًا، لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ إِلَى الْمُكَاتَبِينَ وَالْكُفَّارِ. وَفِي جَوَازِ صَرْفِهِ إِلَى الْقَاتِلِ وَجْهَانِ: وَجْهُ الْجَوَازِ: أَنَّ تُهْمَةَ الِاسْتِعْجَالِ لَا تَتَحَقَّقُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ مَصْرِفًا لِمَالِهِ.