الْأَبَوَيْنِ، لِأَنَّ هُنَاكَ يُعَوَّلُ عَلَى الْمَيْلِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُخَيَّرَ وَيُقَدَّمَ اخْتِيَارُهُ عَلَى الْقُرْعَةِ، وَإِذَا خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِأَحَدِهِمَا، فَتَرَكَ حَقَّهُ لِلْآخَرِ، لَمْ يَجُزْ، كَمَا لَيْسَ لِلْمُنْفَرِدِ نَقْلُ حَقِّهِ إِلَى غَيْرِهِ. وَلَوْ تَرَكَ حَقَّهُ قَبْلَ الْقُرْعَةِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَنْفَرِدُ بِهِ كَالشَّفِيعَيْنِ وَالثَّانِي: لَا بَلْ يُرْفَعُ إِلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يُقِرَّهُ فِي يَدِ الْآخَرِ إِنْ رَآهُ، وَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَمِينًا آخَرَ فَيَقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ. وَقَالَ الْإِمَامُ تَفْرِيعًا عَلَى الثَّانِي: إِنَّ التَّارِكَ لَا يَتْرُكُهُ الْحَاكِمُ، بَلْ يَقْرَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ. فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ، أَلْزَمَهُ الْقِيَامَ بِحَضَانَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ إِذَا شَرَعَ فِي الِالْتِقَاطِ، لَا يَجُوزُ لَهُ التَّرْكُ، وَسَيَأْتِي - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَأَمَّا أَحْكَامُ الِالْتِقَاطِ.
فَمِنْهَا: أَنَّ الَّذِي يَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ حِفْظُ اللَّقِيطِ وَرِعَايَتُهُ. فَأَمَّا نَفَقَتُهُ، فَلَا تَلْزَمُهُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَحَلِّهَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْحِفْظِ لِأَمْرٍ عَرَضَ، سَلَّمَهُ إِلَى الْقَاضِي، وَإِنَّ تَبَرَّمَ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشُّرُوعَ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ هَلْ يَلْزَمُ الْإِتْمَامَ وَيَصِيرُ الشَّارِعُ مُتَعَيِّنًا؟ وَمَوْضِعُ ذِكْرِهِ كِتَابُ السِّيَرِ، وَالْأَصَحُّ هُنَا: أَنَّ لَهُ التَّسْلِيمَ إِلَى الْقَاضِي، وَاخْتَارَهُ ابْنُ كَجٍّ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَبْذُهُ وَرَدُّهُ إِلَى مَا كَانَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَ فِي هَذَا الْبَابِ لَفْظَ الْحَضَانَةِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْحِفْظُ وَالتَّرْبِيَةُ، لَا الْأَعْمَالُ الْمُفَصَّلَةُ فِي الْإِجَارَةِ، لِأَنَّ فِيهَا مَشَقَّةٌ وَمَؤْنَةٌ كَثِيرَةٌ، فَكَيْفَ تَلْزَمُ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ؟ وَقَدْ أَوْضَحَهُ الْبَغَوِيُّ فَقَالَ: نَفَقَةُ اللَّقِيطِ وَحَضَانَتُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَوَظِيفَةُ الْمُلْتَقِطِ حِفْظُهُ وَحِفْظُ مَالِهِ.