الرَّابِعَةُ: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ التَّعْرِيفِ، هُوَ فِيمَا إِذَا قَصَدَ التَّمَلُّكَ، أَمَّا إِذَا قَصَدَ الْحِفْظَ أَبَدًا، فَفِي وُجُوبِهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ: وُجُوبُهُ، لِئَلَّا يَكُونَ كِتْمَانًا مُفَوِّتًا لِلْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ. وَالثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ: لَا يَجِبُ، قَالُوا: لِأَنَّ التَّعْرِيفَ إِنَّمَا يَجِبُ لِتَخْصِيصِ شَرْطِ التَّمَلُّكِ.
قُلْتُ: الْأَوَّلُ أَقْوَى، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الْخَامِسَةُ: لِيَكُنِ التَّعْرِيفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ، وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ عِنْدَ خُرُوجِ النَّاسِ مِنَ الْجَمَاعَاتِ، وَلَا يُعَرِّفْ فِي الْمَسَاجِدِ، كَمَا لَا تُطْلَبُ اللُّقَطَةُ فِيهَا، قَالَ الشَّاشِيُّ فِي «الْمُعْتَمَدِ» : إِلَّا أَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ التَّعْرِيفِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ. ثُمَّ إِذَا الْتَقَطَ فِي بَلْدَةٍ، أَوْ قَرْيَةٍ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّعْرِيفِ فِيهَا، وَلْيَكُنْ أَكْثَرُ تَعْرِيفِهِ فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي وَجَدَ فِيهَا، لِأَنَّ طَلَبَ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِ ضَيَاعِهِ أَكْثَرُ. فَإِنْ حَضَرَهُ سَفَرٌ، فَوَّضَ التَّعْرِيفَ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا يُسَافِرُ بِهَا. وَإِنِ الْتَقَطَ فِي الصَّحْرَاءِ، فَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّهُ إِنِ اجْتَازَتْ بِهِ قَافِلَةٌ، تَبِعَهُمْ وَعَرَّفَ، وَإِلَّا، فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّعْرِيفِ فِي الْمَوَاضِعِ الْخَالِيَةِ، وَلَكِنْ يُعَرِّفُ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي يَقْصِدُهَا قَرُبَتْ أَمْ بَعُدَتْ. وَإِنْ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ، أَوْ قَصَدَ بَلْدَةً أُخْرَى، عَرَّفَ فِيهَا، وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يُغَيِّرَ قَصْدَهُ، وَيَعْدِلَ إِلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، حَكَاهُ الْإِمَامُ، وَتَابَعَهُ الْغَزَالِيُّ. وَلَكِنْ ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يُعَرِّفُ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إِلَيْهِ، وَهَذَا إِنْ أَرَادَ بِهِ الْأَفْضَلَ فَذَاكَ، وَإِلَّا، فَيَحْصُلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَجْهَانِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْعُدُولَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.