الثَّانِيَةُ: قَالَ: مَنَحْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ، أَوِ الثَّوْبَ، فَقَالَ: قَبِلْتُ، وَأَقْبِضُهُ، فَهُوَ هِبَةٌ، قَالَهُ فِي «الْعُدَّةِ» .
الثَّالِثَةُ: فِي «فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ» : لَوْ كَانَ فِي يَدِ ابْنِ الْمَيِّتِ عَيْنٌ، فَقَالَ: وَهَبَنِيهَا أَبِي وَأَقْبَضَنِيهَا فِي الصِّحَّةِ، فَأَقَامَ بَاقِي الْوَرَثَةِ بَيِّنَةً بِأَنَّ الْأَبَ رَجَعَ فِيمَا وَهَبَ لِابْنِهِ، وَلَمْ تَذْكُرِ الْبَيِّنَةُ مَا رَجَعَ فِيهِ، لَا تَنْتَزِعُ مِنْ يَدِهِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ لَيْسَتْ مِنَ الْمَرْجُوعِ فِيهِ. وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا، لَوْ وَهَبَ وَأَقْبَضَ وَمَاتَ، فَادَّعَى الْوَارِثُ كَوْنَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ، وَادَّعَى الْمُتَّهِبُ كَوْنَهُ فِي الصِّحَّةِ، فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُتَّهِبِ.
الرَّابِعَةُ: دَفَعَ إِلَيْهِ ثَوْبًا بِنِيَّةِ الصَّدَقَةِ، فَأَخَذَهُ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ ظَانًّا أَنَّهُ وَدِيعَةٌ، أَوْ عَارِيَّةٌ، فَرَدَّهُ عَلَى الدَّافِعِ، لَا يَحِلُّ لِلدَّافِعِ قَبْضُهُ، لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الدَّافِعِ. فَإِنْ قَبَضَهُ، لَزِمَهُ رَدُّهُ إِلَى الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ.
الْخَامِسَةُ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَعُقُوقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمٌ مَعْدُودٌ مِنَ الْكَبَائِرِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ مَأْمُورٌ بِهَا، فَأَمَّا بِرُّهُمَا، فَهُوَ الْإِحْسَانُ إِلَيْهِمَا، وَفِعْلُ الْجَمِيلِ مَعَهُمَا، وَفِعْلُ مَا يَسُرُّهُمَا مِنَ الطَّاعَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِحْسَانُ إِلَى صَدِيقِهِمَا، فَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ. وَأَمَّا الْعُقُوقُ، فَهُوَ كُلُّ مَا أَتَى بِهِ الْوَلَدُ مِمَّا يَتَأَذَّى [بِهِ] الْوَالِدُ، أَوْ نَحْوُهُ تَأَذِّيًا لَيْسَ بِالْهَيِّنِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَقِيلَ: تَجِبُ طَاعَتُهُمَا فِي كُلِّ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ، فَتَجِبُ طَاعَتُهُمَا فِي الشُّبُهَاتِ.