فِي الزَّكَاةِ، هَكَذَا قَالَ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» . وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: ذَكَرُوا وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ [الدَّيْنُ] تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التَّمْلِيكِ، أَمْ هُوَ مَحْضُ إِسْقَاطٍ؟ وَعَلَى هَذَا خَرَجَ اعْتِبَارُ الْقَبُولِ فِيهَا. فَإِنْ قُلْنَا: تَمْلِيكٌ، وَجَبَ أَنْ يَقَعَ الْمَوْقِعَ. وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَيْرِ الْمِسْكِينِ، فَوَهَبَهُ لِلْمِسْكِينِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ، وَقُلْنَا: تَصِحُّ الْهِبَةُ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْقَبْضُ، أَجْزَأَهُ عَنِ الزَّكَاةِ، وَيُطَالِبُ الْمِسْكِينَ وَالْمَدْيُونَ.
وَأَمَّا شَرْطُ لُزُومِ الْهِبَةِ، فَهُوَ الْقَبْضُ، فَلَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ فِي الْمَوْهُوبِ وَالْهَدِيَّةِ إِلَّا بِقَبْضِهِمَا، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ: يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ كَالْوَقْفِ. وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ: الْمِلْكُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ قَبَضَ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ مِلْكٌ بِالْعَقْدِ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْأَقْوَالِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ، لِمَنْ تَكُونُ؟ وَلَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ أَوِ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ، فَوَجْهَانِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، لِجَوَازِهِ، كَالشَّرِكَةِ، وَالْوَكَالَةِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَنْفَسِخُ، لِأَنَّهُ يَئُولُ إِلَى اللُّزُومِ. كَالْبَيْعِ الْجَائِزِ، بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ. فَعَلَى هَذَا، إِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ تَخَيَّرَ الْوَارِثُ فِي الْإِقْبَاضِ. وَإِنْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبَضَ وَارِثُهُ إِنْ أَقْبَضَهُ الْوَاهِبُ. وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي جُنُونِ أَحَدِهِمَا وَإِغْمَائِهِ.
قُلْتُ: قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَيَقْبِضُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ مِنْهُمَا، وَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ فِي حَالِ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
الْقَبْضُ الْمُحَصِّلُ لِلْمِلْكِ، هُوَ الْوَاقِعُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ، فَلَوْ قَبَضَ بِلَا إِذْنِهِ، لَمْ يَمْلِكْهُ،