تُحْمَلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقْبَلُهَا، وَلَا لَفْظَ هُنَاكَ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ، وَلِذَلِكَ كَانُوا يَبْعَثُونَ بِهَا عَلَى أَيْدِي الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا عِبَارَةَ لَهُمْ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا كَانَ إِبَاحَةً لَا هَدِيَّةً وَتَمْلِيكًا، فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إِبَاحَةً لَمَا تَصَرَّفُوا فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا قَبِلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيُمَلِّكُهُ غَيْرَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ مَنِ اعْتَبَرَ الْإِيجَابَ، وَالْقَبُولَ عَلَى الْأَمْرِ الْمُشْعِرِ بِالرِّضَا دُونَ اللَّفْظِ، وَيُقَالُ: الْإِشْعَارُ بِالرِّضَا قَدْ يَكُونُ لَفْظًا، وَقَدْ يَكُونُ فِعْلًا.
فَرْعٌ
الصَّدَقَةُ كَالْهَدِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْهَدِيَّةِ الْأَطْعِمَةُ وَغَيْرُهَا.
فَرْعٌ
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِمَا سَبَقَ
إِحْدَاهَا: حَيْثُ اعْتَبَرْنَا الْإِيجَابَ، وَالْقَبُولَ، لَا يَجُوزُ التَّعْلِيقُ عَلَى شَرْطٍ، وَلَا التَّوْقِيتُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِيهِمَا كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ فِي الْعُمْرَى - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقَبُولِ عَنِ الْإِيجَابِ، بَلْ يُشْتَرَطُ التَّوَاصُلُ الْمُعْتَادُ كَالْبَيْعِ، وَعَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْقَبُولِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا الْخِلَافُ حَكَاهُ كَثِيرُونَ فِي الْهِبَةِ، وَخَصَّهُ الْمُتَوَلِّي بِالْهَدِيَّةِ، وَجَزَمَ بِمَنْعِ التَّأْخِيرِ فِي الْهِبَةِ، وَالْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ فِي الْهَدَايَا الَّتِي يُبْعَثُ بِهَا [مِنْ] مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ، وَإِنِ اعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ، وَالْقَبُولَ عَلَى الْفَوْرِ، فَأَمَّا أَنْ يُوكِلَ الرَّسُولَ لِيُوجِبَ، وَيَقْبَلَ الْمَبْعُوثَ إِلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ يُوجِبَ الْمُهْدِي وَيَقْبَلَ الْمُهْدَى إِلَيْهِ عِنْدَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ.