قُلْتُ: الْأَرْجَحُ هُنَا جَوَازُهُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ: وَيَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَلَا يُجَوِّزُ الزِّيَادَةَ إِلَّا مَنْ أَجَازَ الْوَقْفَ عَلَى نَفْسِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، ثُمَّ صَارَ فَقِيرًا، فَفِي جَوَازِ أَخْذِهِ وَجْهَانِ إِذَا قُلْنَا: لَا يَقِفُ عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ نَفْسَهُ وَقَدْ وُجِدَتِ الصِّفَةُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ الْجَوَازَ، وَرَجَّحَ الْغَزَالِيُّ الْمَنْعَ، لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إِلَى غَيْرِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِأَوْقَافِهِ الْعَامَّةِ كَآحَادِ النَّاسِ، كَالصَّلَاةِ فِي بُقْعَةٍ جَعَلَهَا مَسْجِدًا، وَالشُّرْبِ مِنْ بِئْرٍ وَقَفَهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ، لَوْ وَقَفَ كِتَابًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ وَنَحْوِهَا، أَوْ قِدْرًا لِلطَّبْخِ فِيهَا، أَوْ كِيزَانًا لِلشُّرْبِ بِهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلَهُ الِانْتِفَاعُ مَعَهُمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
لَوْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ: وَقَفْتُ عَلَى أَحَدِكُمَا، لَمْ يَصِحَّ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ. الْقِسْمُ الثَّانِي: الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَهَذَا يُسَمَّى وَقْفًا عَلَى الْجِهَةِ، لِأَنَّ الْوَاقِفَ يَقْصِدُ جِهَةَ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، لَا شَخْصًا بِعَيْنِهِ، فَيُنْظَرُ فِي الْجِهَةِ، إِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، كَعِمَارَةِ الْكَنِيسَةِ وَقَنَادِيلِهَا وَحُصْرِهَا، وَكُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، لَمْ يَصِحَّ، سَوَاءٌ وَقَفَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ، فَنُبْطِلُهُ إِذَا تَرَافَعُوا إِلَيْنَا. أَمَّا مَا وَقَفُوهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ عَلَى كَنَائِسِهِمُ الْقَدِيمَةِ، فَنُقِرُّهُ حَيْثُ نُقِرُّ الْكَنَائِسَ. وَلَوْ وَقَفَ لِسِلَاحِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، أَوْ لِآلَاتِ سَائِرِ الْمَعَاصِي، فَبَاطِلٌ قَطْعًا. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جِهَةَ مَعْصِيَةٍ، نُظِرَ، فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ، كَالْوَقْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ،