إِذَا صَارَتِ الْأَرْضُ مَزْرَعَةً بِمَاءٍ سِيقَ إِلَيْهَا، فَقَدْ تَمَّ الْإِحْيَاءُ وَإِنْ لَمْ يُجْمَعِ التُّرَابُ حَوْلَهَا.
الثَّانِي: تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ بِطَمِّ الْمُنْخَفِضِ وَكَسْحِ الْمُسْتَعْلِي وَحِرَاثَتِهَا وَتَلْيِينِ تُرَابِهَا، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ ذَلِكَ إِلَّا بِمَاءٍ يُسَاقُ إِلَيْهَا، فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِتَتَهَيَّأَ لِلزِّرَاعَةِ. الثَّالِثُ: تَرْتِيبُ مَاءٍ لَهَا بِشَقِّ سَاقِيَةٍ مِنْ نَهْرٍ، أَوْ بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ قَنَاةٍ وَسَقْيُهَا، هَلْ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؟ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ اشْتِرَاطَهُ، وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْأَرْضَ إِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ يَكْفِي لِزِرَاعَتِهَا مَاءُ السَّمَاءِ، لَمْ يُشْتَرَطِ السَّقْيُ وَتَرْتِيبُ مَاءٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَاجُ إِلَى مَاءٍ يُسَاقُ إِلَيْهَا، اشْتُرِطَ تَهْيِئَةُ مَاءٍ مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَإِذَا هَيَّأَهُ، نُظِرَ، إِنْ حَفَرَ لَهُ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا إِجْرَاءُ الْمَاءِ، كَفَى، وَلَمْ يُشْتَرَطِ الْإِجْرَاءُ، وَلَا سَقْيُ الْأَرْضِ. وَإِنْ لَمْ يُحْفَرْ بَعْدُ، فَوَجْهَانِ.
وَأَمَّا أَرْضُ الْجِبَالِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ سَوْقُ الْمَاءِ إِلَيْهَا وَلَا يُصِيبُهَا إِلَّا مَاءُ السَّمَاءِ، فَمَالَ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» إِلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْإِحْيَاءِ فِيهَا، وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ وَبَنَى عَلَيْهِ: أَمَّا إِذَا وَجَدْنَا شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ فِي يَدِ إِنْسَانٍ، لَمْ نَحْكُمْ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَلَا نُجَوِّزُ بَيْعَهُ وَإِجَارَتَهُ.
وَمِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: يُمَلَّكُ بِالْحِرَاثَةِ وَجَمْعِ التُّرَابِ عَلَى الْأَطْرَافِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. وَلَا تُشْتَرَطُ الزِّرَاعَةُ، لِحُصُولِ الْمِلْكِ فِي الْمَزْرَعَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهَا اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ وَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الْإِحْيَاءِ، وَكَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّارِ أَنْ يَسْكُنَهَا.
[الْمَسْأَلَةُ] الرَّابِعَةُ: إِذَا أَرَادَ بُسْتَانًا أَوْ كَرْمًا، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّحْوِيطِ، وَالرُّجُوعِ فِيمَا يُحَوَّطُ بِهِ إِلَى الْعَادَةِ، قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ. وَقَالَ: فَإِنْ كَانَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ بِنَاءَ جِدَارٍ، اشْتُرِطَ الْبِنَاءُ. وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمُ التَّحْوِيطَ بِالْقَصَبِ وَالشَّوْكِ وَرُبَّمَا تَرَكُوهُ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَصْرَةِ وَقَزْوِينَ، اعْتُبِرَتْ عَادَتُهُمْ، وَحِينَئِذٍ يَكْفِي جَمْعُ التُّرَابِ حَوَالَيْهِ كَالْمَزْرَعَةِ. وَالْقَوْلُ فِي سَوْقِ الْمَاءِ إِلَيْهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَزْرَعَةِ. وَيُعْتَبَرُ غَرْسُ الْأَشْجَارِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ.