الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ
قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: هُمَا بِمَعْنًى، وَالصَّحِيحُ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُمَا عَقْدَانِ مُخْتَلِفَانِ. فَالْمُخَابَرَةُ: هِيَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَالْبَذْرُ مِنَ الْعَامِلِ. وَالْمُزَارَعَةُ مِثْلُهَا، إِلَّا أَنَّ الْبَذْرَ مِنَ الْمَالِكِ. وَقَدْ يُقَالُ: الْمُخَابَرَةُ: اكْتِرَاءُ الْأَرْضِ [بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا] . وَالْمُزَارَعَةُ: اكْتِرَاءُ الْعَامِلِ لِزَرْعِ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ، هُوَ الصَّوَابُ. وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ: قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: هُمَا بِمَعْنًى، فَلَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ، فَنَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمُخَابَرَةُ وَالْمُزَارَعَةُ بَاطِلَتَانِ، وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ.
قُلْتُ: قَدْ قَالَ بِجَوَازِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا أَيْضًا، ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْخَطَّابِيُّ وَصَنَّفَ فِيهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ جُزْءًا، وَبَيَّنَ فِيهِ عِلَلَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالنَّهْيِ عَنْهَا، وَجَمَعَ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ، ثُمَّ تَابَعَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ: ضَعَّفَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثَ النَّهْيِ، وَقَالَ: هُوَ مُضْطَرِبٌ كَثِيرُ الْأَلْوَانِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَأَبْطَلَهَا مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقِفُوا عَلَى عِلَّتِهِ، قَالَ: فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ، وَهِيَ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ، لَا يُبْطِلُ الْعَمَلَ بِهَا أَحَدٌ. هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ. وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُخَابَرَةِ، وَتَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَا إِذَا شَرَطَ