لِلْأَصْحَابِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عِبَارَاتٌ فِي مَعْنَى الْغَصْبِ.
إِحْدَاهَا: أَنَّهُ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى جِهَةِ التَّعَدِّي، وَرُبَّمَا قِيلَ: الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ.
الثَّانِيَةُ: وَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الْأُولَى: أَنَّهُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَاخْتَارَ الْإِمَامُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ، وَقَالَ: لَا حَاجَةَ إِلَى التَّقْيِيدِ بِالْعُدْوَانِ، بَلْ يَثْبُتُ الْغَصْبُ وَحُكْمُهُ مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ، كَمَا لَوْ أَوْدَعَ ثَوْبًا عِنْدَ رَجُلٍ، ثُمَّ جَاءَ الْمَالِكُ فَأَخَذَ ثَوْبًا لِلْمُودَعِ وَهُوَ يَظُنُّهُ ثَوْبَهُ، أَوْ لَبِسَهُ الْمُودَعُ عَلَى ظَنٍّ أَنَّهُ ثَوْبُهُ.
الثَّالِثَةُ: وَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الْأُولَيَيْنِ: أَنَّ كُلَّ مَضْمُونٍ عَلَى مُمْسِكِهِ فَهُوَ مَغْصُوبٌ، كَالْمَقْبُوضِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْوَدِيعَةِ إِذَا تَعَدَّى فِيهَا الْمُودَعُ وَالرَّهْنِ إِذَا تَعَدَّى فِيهِ الْمُرْتَهَنُ. وَأَشْبَهُ الْعِبَارَاتِ وَأَشْهَرُهَا هِيَ الْأُولَى. وَفِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ الثَّابِتُ حُكْمُ الْغَصْبِ، لَا حَقِيقَتُهُ.
قُلْتُ: كُلُّ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ نَاقِصَةٌ، فَإِنَّ الْكَلْبَ وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ، لَا يَدْخُلُ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ يُغْصَبُ، وَكَذَلِكَ الِاخْتِصَاصَاتُ بِالْحُقُوقِ، فَالِاخْتِيَارُ: أَنَّهُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْغَصْبِ، وَفِيهِ بَابَانِ.
الْأَوَّلُ: فِي الضَّمَانِ، وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ.