قُلْتُ: فِي «الْبَيَانِ» وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِيَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا، صَحَّتِ الْعَارِيَّةُ. فَإِذَا نَبَعَ الْمَاءُ، جَازَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا أَعَارَهُ جِدَارًا لِوَضْعِ الْجُذُوعِ، فَفِي جَوَازِ الرُّجُوعِ وَجْهَانِ.
فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ، فَهَلْ فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ، أَمِ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَلْعِ وَضَمَانِ أَرْشِ النَّقْصِ؟ وَجْهَانِ.
وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهُ وَاضِحًا مَعَ بَيَانِ الْأَصَحِّ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ.
قُلْتُ: وَمِنْ أَحْكَامِهَا، أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُعِيرُ، أَوْ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيهِ، أَوْ حُجِرَ عَلَيهِ لِسَفَهٍ، انْفَسَخَتِ الْإِعَارَةُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ. وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَعِيرُ، انْفَسَخَتْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالِانْتِفَاعِ إِنَّمَا كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ دُونَ وَارِثِهِ، وَإِذَا انْفَسَخَتْ، وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ رَدُّهَا، ذَكَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ الْمُتَوَلِّي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
إِعَارَةُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ أَوِ الْغِرَاسِ، ضَرْبَانِ: مُطْلَقَةٌ لَمْ يُبَيِّنْ لَهَا مُدَّةً، وَمُقَيَّدَةٌ بِمُدَّةٍ.
الْأَوَّلُ: الْمُطْلَقَةُ، وَلِلْمُسْتَعِيرِ فِيهَا أَنْ يَبْنِيَ وَيَغْرِسَ مَا لَمْ يَرْجِعِ الْمُعِيرُ، فَإِذَا رَجَعَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ. وَلَوْ فَعَلَ وَهُوَ عَالِمٌ بِالرُّجُوعِ، قَلَعَ مَجَّانًا، وَكَلَّفَ تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ كَالْغَاصِبِ. وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، فَوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذَا حَمَلَ السَّيْلُ نَوَاةً إِلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَتْ. وَأَمَّا مَا بُنِيَ وَغُرِسَ قَبْلَ الرُّجُوعِ، فَإِنْ أَمْكَنَ رَفْعُهُ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ يَدْخُلُهُ، رُفِعَ، وَإِلَّا فَيُنْظَرُ، إِنْ شَرَطَ عَلَيهِ الْقَلْعَ مَجَّانًا عِنْدَ رُجُوعِهِ، وَتَسْوِيَةَ الْحَفْرِ، لَزِمَهُ، فَإِنِ امْتَنَعَ، قَلَعَهُ الْمُعِيرُ مَجَّانًا، وَإِنْ شَرَطَ الْقَلْعَ دُونَ التَّسْوِيَةِ،