قُلْتُ: قَالَ ابْنُ كَجٍّ: لَوْ عَتَقَ، ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا لِرَجُلٍ قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يَلْزَمِ السَّيِّدَ، وَيُطَالَبُ بِهِ الْعَبْدُ. وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ جَنَى، لَزِمَ السَّيِّدَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ وَقِيمَتِهِ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: كُلُّ مَا قُبِلَ إِقْرَارُ الْعَبْدِ فِيهِ كَالْعُقُوبَاتِ، فَالدَّعْوَى فِيهِ تَكُونُ عَلَى الْعَبْدِ. وَمَا لَا يَقْبَلُ الْمَالَ الْمُتَعَلِّقَ بِرَقَبَتِهِ، إِذَا صَدَّقَهُ السَّيِّدُ، فَالدَّعْوَى عَلَى السَّيِّدِ. فَإِنِ ادَّعَى فِي هَذَا عَلَى الْعَبْدِ، إِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ، وَإِلَّا فَإِنْ قُلْنَا: الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ كَالْبَيِّنَةِ، سُمِعَتْ رَجَاءَ نُكُولِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: كَالْإِقْرَارِ فَلَا. وَلَوِ ادَّعَى عَلَى الْعَبْدِ دَيْنَ مُعَامَلَةٍ مُتَعَلِّقٍ بِالذِّمَّةِ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ، فَفِي سَمَاعِهَا وَجْهَانِ، كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمُ، الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ.
إِحْدَاهَا: يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِالنِّكَاحِ بِمُوجِبَاتِ الْعُقُوبَاتِ، وَبِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَفِي إِقْرَارِهِ لِلْوَارِثِ بِالْمَالِ، طَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ قَطْعًا. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: عَلَى قَوْلَيْنِ. أَظْهَرُهُمَا: الْقَبُولُ. وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ مَذْهَبَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ مُتَّهَمًا، لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ، وَإِلَّا فَيُقْبَلُ، وَيَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْبَلُ، فَهَلِ الِاعْتِبَارُ فِي كَوْنِهِ وَارِثًا بِحَالِ الْمَوْتِ، أَمْ بِحَالِ الْإِقْرَارِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
وَقِيلَ: قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا وَهُوَ الْجَدِيدُ: بِحَالِ الْمَوْتِ، كَالْوَصِيَّةِ. وَلَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ كَانَ وَهَبَ وَارِثَهُ، وَأَقْبَضَهُ فِي الصِّحَّةِ، أَشَارَ الْإِمَامُ إِلَى طَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ إِنْشَائِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ، وَرَجَّحَ الْغَزَالِيُّ: الْمَنْعَ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: الْقَبُولَ.