الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الصِّيغَةُ. فِيهِ مَسَائِلُ.
الْأُولَى: لَا بُدَّ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ مِنْ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى الرِّضَى، كَقَوْلِهِ: وَكَّلْتُكَ فِي كَذَا، أَوْ فَوَّضْتُهُ إِلَيْكَ، أَوْ أَنَبْتُكَ فِيهِ، وَمَا أَشْبَهَهُ. وَمِثْلُهُ: بِعْ أَوْ أَعْتِقْ وَنَحْوُهُمَا. وَأَمَّا الْقَبُولُ، فَيُطْلَقُ بِمَعْنَيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: الرِّضَى وَالرَّغْبَةُ فِيمَا فُوِّضَ إِلَيْهِ، وَنَقِيضُهُ الرَّدُّ. وَالثَّانِي: اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ عَلَى النَّحْوِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْبَيْعِ وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ. وَيُعْتَبَرُ فِي الْوَكَالَةِ الْقَبُولُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ. حَتَّى لَوْ رَدَّ فَقَالَ: لَا أَقْبَلُ، أَوْ لَا أَفْعَلُ، بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ. فَلَوْ رَدَّ ثُمَّ نَدِمَ، وَأَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ، لَمْ يَجُزْ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إِذْنٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ جَائِزَةٌ، تَرْتَفِعُ فِي الدَّوَامِ بِالْفَسْخِ، فَارْتِدَادُهَا بِالرَّدِّ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْلَى. وَأَمَّا الْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ الْقَبُولُ لَفْظًا، فَفِيهِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: لَا يُشْتَرَطُ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ. وَالثَّالِثُ: إِنْ أَتَى بِصِيغَةِ عَقْدٍ، كَـ: وَكَّلْتُكَ، وَفَوَّضْتُ إِلَيْكَ، اشْتُرِطَ. وَإِنْ أَتَى بِصِيغَةِ أَمْرٍ، نَحْوَ: بِعْ، وَاشْتَرِ، لَمْ يُشْتَرَطْ. فَإِنْ شَرَطْنَا الْقَبُولَ لَفْظًا، فَهَلْ يُشْتَرَطُ عَلَى الْفَوْرِ كَالْبَيْعِ، أَمْ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ طَالَ؟ أَمْ يَجُوزُ أَبَدًا وَإِنْ فَارَقَ الْمَجْلِسَ، كَالْوَصِيَّةِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، الصَّحِيحُ: الثَّالِثُ. وَأَمَّا الْقَبُولُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْجِيلُ بِحَالٍ بِلَا خِلَافٍ. وَإِذَا لَمْ نَشْرُطِ الْقَبُولَ، فَوَكَّلَهُ، وَالْوَكِيلُ لَا يَعْلَمُ، ثَبَتَتْ وَكَالَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. فَعَلَى هَذَا لَوْ تَصَرَّفَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ، ثُمَّ بَانَ وَكِيلًا، فَفِي صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ يَظُنُّهُ حَيًّا، فَبَانَ مَيِّتًا. وَإِنْ لَمْ نُثْبِتِ الْوَكَالَةَ، فَهَلْ نَحْكُمُ بِنُفُوذِهَا حَالَةَ بُلُوغِ الْخَبَرِ؟ وَجْهَانِ.
فَرْعٌ
حَيْثُ لَا نَشْتَرِطُ الْقَبُولَ، تَكْفِي الْكِتَابَةُ وَالرِّسَالَةُ، وَنَجْعَلُهُ مَأْذُونًا فِي التَّصَرُّفِ. وَحَيْثُ شَرَطْنَا، فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ كَتَبَ بِالْبَيْعِ، وَقَطَعَ الرُّويَانِيُّ فِي الْوَكَالَةِ بِالْجَوَازِ.