مِنَ الْعِمَارَةِ، فَقَوْلَانِ. الْقَدِيمُ: إِجْبَارُهُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَصِيَانَةً لِلْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ عَنِ التَّعْطِيلِ. وَالْجَدِيدُ: لَا إِجْبَارَ، كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى زَرْعِ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَلِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ يَتَضَرَّرُ أَيْضًا بِتَكْلِيفِهِ الْعِمَارَةَ. وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي النَّهْرِ، وَالْقَنَاةِ، وَالْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ، إِذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنَ التَّنْقِيَةِ وَالْعِمَارَةِ.
قُلْتُ: لَمْ يُبَيِّنِ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ الْأَظْهَرَ مِنَ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ. وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ، هُوَ جَدِيدٌ. مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ: الْمَحَامِلِيُّ، وَالْجُرْجَانِيُّ، وَصَاحِبُ «التَّنْبِيهِ» وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» الْقَدِيمَ، وَأَفْتَى بِهِ الشَّاشِيُّ. وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ فِي «الْفَتَاوَى» : الْأَقْيَسُ، أَنْ يُجْبَرَ. وَقَالَ: وَالِاخْتِيَارُ إِنْ ظَهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّ امْتِنَاعَهُ مُضَارَّةً أَجْبَرَهُ، وَإِنْ كَانَ لِإِعْسَارٍ أَوْ غَرَضٍ صَحِيحٍ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يُجْبَرْ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي قَالَهُ، وَإِنْ كَانَ أَرْجَحَ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِالْإِجْبَارِ، فَالْمُخْتَارُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ: أَنْ لَا إِجْبَارَ مُطْلَقًا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَلَوْ كَانَ عُلُوُّ الدَّارِ لِوَاحِدٍ، وَسُفْلُهَا لِآخَرَ، فَانْهَدَمَتْ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ إِجْبَارُ صَاحِبِ الْعُلُوِّ عَلَى مُعَاوَنَتِهِ فِي إِعَادَةِ السُّفْلِ وَهَلْ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ إِجْبَارُ صَاحِبِ السُّفْلِ عَلَى إِعَادَتِهِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ. وَقِيلَ: الْقَوْلَانِ فِيمَا إِذَا انْهَدَمَ، أَوْ هُدِمَا، فَلَا شَرْطَ. أَمَّا لَوِ اسْتَهْدَمَ، فَهَدَمَهُ صَاحِبُ السُّفْلِ بِشَرْطِ الْإِعَادَةِ، فَيُجْبَرُ قَطْعًا. وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ، فِيمَا إِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا اتِّخَاذَ سُتْرَةٍ بَيْنَ سَطْحَيْهِمَا، هَلْ يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى مُسَاعَدَتِهِ؟
قُلْتُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُجْرِيَانِ فِيمَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا دُولَابٌ وَتَشَعَّثَ وَاحْتَاجَ إِلَى إِصْلَاحِهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.