الْأَوَّلُ: الْمُخْتَصُّ. فَهَلْ لِلْجَارِ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ؟ قَوْلَانِ. الْقَدِيمُ: نَعَمْ. وَيُجْبَرُ الْمَالِكُ إِنِ امْتَنَعَ، وَالْجَدِيدُ: لَا، وَلَا يُجْبَرُ.
قُلْتُ: الْأَظْهَرُ: هُوَ الْجَدِيدُ. وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ، صَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» ، وَالْجُرْجَانِيُّ، وَالشَّاشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَعَلَى الْقَدِيمِ: إِنَّمَا يُجْبَرُ بِشُرُوطٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَحْتَاجَ مَالِكُ الْجِدَارِ إِلَى وَضْعِ جُذُوعٍ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَزِيدَ الْجَارُ فِي ارْتِفَاعِ الْجِدَارِ، وَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ أَزَجًا، وَلَا يَضَعُ عَلَيْهِ مَا يَضُرُّ الْجِدَارَ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَمْلِكَ شَيْئًا مِنْ جُدْرَانِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُرِيدُ تَسْقِيفَهَا، أَوْ لَا يَمْلِكُ إِلَّا جِدَارًا، فَإِنْ مَلَكَ جِدَارَيْنِ، فَلْيَسْقُفْ عَلَيْهِمَا، وَلَيْسَ لَهُ إِجْبَارُ صَاحِبِ الْجِدَارِ، وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْإِمَامُ هَذَا الشَّرْطَ هَكَذَا. بَلْ قَالَ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْبَيْتِ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ، وَيَحْتَاجُ رَابِعًا. فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْكُلُّ لِلْغَيْرِ، فَلَا يَضَعُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ: وَلَمْ يَعْتَبِرْ بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذَا الشَّرْطَ، وَاعْتُبِرَ فِي «التَّتِمَّةِ» مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ، وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذَا لَمْ يَمْلِكْ إِلَّا جَانِبًا أَوْ جَانِبَيْنِ. وَالْمَذْهَبُ: مَا قَدَّمْنَاهُ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ، فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَى الْمَالِكِ. فَإِنْ رَضِيَ بِلَا عِوَضٍ، فَهُوَ عَارِيَةٌ، يَرْجِعُ فِيهَا قَبْلَ وَضْعِ الْجُذُوعِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا قَطْعًا، وَبَعْدَهُ، عَلَى الْأَصَحِّ كَسَائِرِ الْعَوَارِي. وَإِذَا رَجَعَ، لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قَلْعِهِ مَجَّانًا. وَفِي فَائِدَةِ رُجُوعِهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَبْقَى بِأَجْرِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُقْلَعَ، وَيَضْمَنُ أَرْشَ النَّقْصِ، كَمَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ. لَكِنْ فِي إِعَارَةِ الْأَرْضِ خَصْلَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ تَمَلُّكُ الْبِنَاءِ بِقِيمَتِهِ، وَلَيْسَ لِمَالِكِ الْجِدَارِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَتْبِعَ الْبِنَاءَ، وَالْجِدَارُ تَابِعٌ فَيُسْتَتْبَعُ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْأُجْرَةُ، وَلَا يَمْلِكُ الْقَلْعَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْقَلْعِ يَصِلُ إِلَى مَا هُوَ خَالِصُ مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ،