فَرْعٌ
لَا بُدَّ مِنَ اخْتِبَارِ الصَّبِيِّ لِيُعْرَفَ حَالُهُ فِي الرُّشْدِ وَعَدَمِهِ. وَيَخْتَلِفُ بِطَبَقَاتِ النَّاسِ، فَوَلَدُ التَّاجِرِ يُخْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُمَاكَسَةِ فِيهِمَا، وَوَلَدُ الزَّارِعِ فِي أَمْرِ الزِّرَاعَةِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى الْقِوَامِ بِهَا، وَالْمُحْتَرِفِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي أَمْرِ الْقُطْنِ وَالْغَزْلِ وَحِفْظِ الْأَقْمِشَةِ وَصَوْنِ الْأَطْعِمَةِ عَنِ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَشِبْهِهَا مِنْ مَصَالِحِ الْبَيْتِ. وَلَا تَكْفِي الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ فِي الِاخْتِبَارِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ بِحَيْثُ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِرُشْدِهِ. وَفِي وَقْتِ الِاخْتِبَارِ. وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: بَعْدَ الْبُلُوغِ. وَأَصَحُّهُمَا: قَبْلَهُ. وَعَلَى هَذَا فِي كَيْفِيَّتِهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يُدْفَعُ إِلَيْهِ قَدْرٌ مِنَ الْمَالِ، وَيُمْتَحَنُ فِي الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُسَاوَمَةِ. فَإِذَا آنَ الْأَمْرُ إِلَى الْعَقْدِ، عَقَدَ الْوَلِيُّ. وَالثَّانِي: يَعْقِدُ الصَّبِيُّ وَيَصِحُّ مِنْهُ هَذَا الْعَقْدُ لِلْحَاجَةِ. وَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ لِلِاخْتِبَارِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيِّ.
قُلْتُ: وَالصَّبِيُّ الْكَافِرُ كَالْمُسْلِمِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَيُعْتَبَرُ فِي صَلَاحِ دِينِهِ وَمَالِهِ مَا هُوَ صَلَاحٌ عِنْدَهُمْ، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
إِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ غَيْرَ رَشِيدٍ لِاخْتِلَالِ صَلَاحِ الدِّينِ، أَوِ الْمَالِ، بَقِيَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ الْمَالُ. وَفِي «التَّتِمَّةِ» وَجْهٌ، أَنَّهُ إِنْ بَلَغَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ، دُفِعَ إِلَيْهِ وَصَحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا. وَإِنْ بَلَغَ مُفْسِدًا لِمَالِهِ، مُنِعَ مِنْهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ، وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ، فَيُسْتَدَامُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، وَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ مَنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ قَبْلَ بُلُوغِهِ. وَإِنْ بَلَغَ