يَنْقَطِعُ بِمُجَرَّدِ الْبُلُوغِ، وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا مُحَقَّقًا، بَلْ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ، أَرَادَ الْإِطْلَاقَ الْكُلِّيَّ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي، بِالْحَجَرِ أَرَادَ الْحَجْرَ الْمَخْصُوصَ بِالصَّبِيِّ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْحَجْرِ، وَكَذَلِكَ التَّبْذِيرُ. وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ. وَمَنْ بَلَغَ مُبَذِّرًا، فَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ، لَا حُكْمُ تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ.
فَرْعٌ
لِلْبُلُوغِ أَسَبَابٌ. مِنْهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ. أَمَّا الْمُشْتَرَكُ، فَمِنْهُ السِّنُّ. فَإِذَا اسْتَكْمَلَ الْمَوْلُودُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَمَرِيَّةً، فَقَدْ بَلَغَ. وَفِي وَجْهٍ: يَبْلُغُ بِالطَّعْنِ فِي الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ.
السَّبَبُ الثَّانِي: خُرُوجُ الْمَنِيِّ وَيَدْخُلُ وَقْتُ إِمْكَانِهِ بِاسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَنْفَصِلُ قَبْلَهَا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ. وَفِي وَجْهٍ: إِنَّمَا يَدْخُلُ بِمُضِيِّ نِصْفِ السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ. وَفِي وَجْهٍ: بِاسْتِكْمَالِ الْعَاشِرَةِ. وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّ الْمَنِيَّ لَا يَكُونُ بُلُوغًا فِي النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فِيهِنَّ. وَعَلَى هَذَا، قَالَ الْإِمَامُ: الَّذِي يَتَّجِهُ عِنْدِي: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ. وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ، وَفِيمَا قَالَهُ الْإِمَامُ نَظَرٌ.
السَّبَبُ الثَّالِثُ: إِنْبَاتُ الْعَانَةِ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِالْبُلُوغِ فِي الْكُفَّارِ. وَهَلْ هُوَ حَقِيقَةُ الْبُلُوغِ، أَمْ دَلِيلُهُ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الثَّانِي. فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَهُوَ بُلُوغٌ فِي الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا. وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِبُلُوغٍ.
قُلْتُ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا يُفْتَى بِهِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» أَنَّهُ لَا يَكُونُ بُلُوغًا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.