رَهْنًا بِدَيْنٍ آخَرَ، فَهُوَ كَشَرْطِ زِيَادَةِ الصِّفَةِ. وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُقْرِضَهُ مَالًا آخَرَ، صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ مَا شُرِطَ، بَلْ هُوَ وَعْدٌ، كَمَا لَوْ وَهَبَهُ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَهَبَهُ غَيْرُهُ.
فِيمَا يُمَلَّكُ بِهِ الْمُقْرَضُ قَوْلَانِ مُنْتَزَعَانِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. أَظْهَرُهُمَا: بِالْقَبْضِ. وَالثَّانِي: بِالتَّصَرُّفِ. فَإِنْ قُلْنَا: بِالْقَبْضِ، فَهَلْ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يُلْزِمَهُ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ مَا دَامَ بَاقِيًا، أَمْ لِلْمُسْتَقْرِضِ رَدُّ بَدَلِهِ مَعَ وُجُودِهِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: الْأَوَّلُ. وَلَوْ رَدَّهُ الْمُسْتَقْرِضُ بِعَيْنِهِ لَزِمَ الْمُقْرِضُ قَبُولَهُ قَطْعًا. وَإِذْ قُلْنَا: يُمَلَّكُ بِالتَّصَرُّفِ، فَمَعْنَاهُ: إِذَا تَصَرَّفَ، تَبَيَّنَ ثُبُوتُ مِلْكِهِ. ثُمَّ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ، أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: أَنَّهُ كُلُّ تَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ. وَالثَّانِي: كُلُّ تَصَرُّفٍ يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ. وَالثَّالِثُ: كُلُّ تَصَرُّفٍ يَسْتَدْعِي الْمِلْكَ. فَعَلَى الْأَوْجُهِ: يَكْفِي الْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ، وَالْإِعْتَاقُ، وَالْإِتْلَافُ. وَلَا يَكْفِي الرَّهْنُ، وَالتَّزْوِيجُ، وَالْإِجَارَةُ، وَطَحْنُ الْحِنْطَةِ، وَخَبْزُ الدَّقِيقِ، وَذَبْحُ الشَّاةِ، عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.
قُلْتُ: فَتَكُونُ هَذِهِ الْعُقُودُ بَاطِلَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَكْفِي مَا سِوَى الْإِجَارَةِ عَلَى الثَّانِي، وَمَا سِوَى الرَّهْنِ، عَلَى الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ الرَّهْنَ، فَيَرْهَنَهُ. وَحُكِيَ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: أَنَّهُ كُلُّ تَصَرُّفٍ يَمْنَعُ رُجُوعَ الْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ عِنْدَ إِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي. فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَهَلْ يَكْفِي الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ؟ إِنْ قُلْنَا: لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، فَلَا، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُهُ بِصِفَةِ اللُّزُومِ.