الشَّرْطُ الْخَامِسُ: الْعِلْمُ بِالْمِقْدَارِ، وَالْعِلْمُ يَكُونُ بِالْكَيْلِ، أَوِ الْوَزْنِ، أَوِ الذَّرْعِ، أَوِ الْعَدِّ. وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا، وَفِي الْمَوْزُونِ كَيْلًا إِذَا تَأَتَّى كَيْلُهُ. وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ: لَا يَجُوزُ فِي الْمَوْزُونِ كَيْلًا، وَحَمَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ إِطْلَاقَ الْأَصْحَابِ جَوَازَ كَيْلِ الْمَوْزُونِ عَلَى مَا يُعَدُّ الْكَيْلُ فِي مِثْلِهِ ضَابِطًا، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فِي فُتَاتِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَنَحْوِهِمَا كَيْلًا لَمْ يَصِحَّ.
وَأَمَّا الْبِطِّيخُ، وَالْقِثَّاءُ، وَالْبُقُولُ، وَالسَّفَرْجَلُ، وَالرُّمَّانُ، وَالْبَاذِنْجَانُ، وَالرَّانِجُ، وَالْبَيْضُ، فَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْوَزْنُ. وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَزْنًا، إِذَا لَمْ تَخْتَلِفُ قُشُورُهُ غَالِبًا، وَيَجُوزُ كَيْلًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا الْفُسْتُقُ وَالْبُنْدُقُ.
لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْبِطِّيخَةِ، والسَّفَرْجَلَةِ، وَلَا فِي عَدَدٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ حَجْمِهَا وَوَزْنِهَا، وَذَلِكَ يُورِثُ عَزَّةَ الْوُجُودِ. وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبٍ وَصَفَهُ، وَقَالَ: وَزْنُهُ كَذَا، أَوْ فِي مِائَةِ صَاعٍ حِنْطَةً عَلَى أَنَّ وَزْنَهَا كَذَا، لَا يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ ذَكَرَ وَزْنَ الْخَشَبِ مَعَ صِفَاتِهِ الْمَشْرُوطَةِ، جَازَ ; لِأَنَّهُ إِنْ زَادَ، أَمْكَنَ نَحْتُهُ. وَأَمَّا اللَّبِنُ، فَيَجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ. فَيَقُولُ: كَذَا لَبِنَةٍ، وَزْنُ كُلِّ وَاحِدَةٍ كَذَا؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَلَا يَعِزُّ، ثُمَّ الْأَمْرُ فِيهَا عَلَى التَّقْرِيبِ.
قُلْتُ: هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ يُشْتَرَطُ فِي اللَّبِنِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ، وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْعِرَاقِيُّونَ أَوْ مُعْظَمُهُمُ الْوَزْنَ. وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي آخِرِ كِتَابِ السَّلَمِ مِنَ الْأُمِّ عَلَى أَنَّ الْوَزْنَ فِيهِ مُسْتَحَبٌّ، لَوْ تَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَثَخَانَتَهُ، وَأَنَّهُ مِنْ طِينٍ مَعْرُوفٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.