نحمده على جميع آلائه قديمها وحديثها، تليدها وطريفها، السالفة منها والراهنة، الظاهرة منها والباطنة، حمدَ المعترفين بأسبابه وبآلائه، العاجزين عن مزيد فضله، ونسأله أن يصلي على محمدٍ عبدِهِ ورسولِهِ أفضل صلاة صلاها على نبي من أنبيائه، وأرفعَها درجةً، وأسناها ذكرًا، صلاةً تامةً زاكيةً غاديةً عليه ورائحةً، كما قد جاهد فيه حق جهاده، وناصحه في إرشاد خلقه وعباده، وعادى فيه الأقربين، ووالى الأجانب الأبعدين، وصدعَ بما أُمر حتى أتاه اليقين، وأن يضاعف من بركاته عليه، ويزلف مقامه لديه، وأن يسلم عليه وعلى آله تسليمًا (?).
أما بعد:
لقد أكرم الله تعالى هذه الأمة الإسلامية المحمدية بخصائصَ كثيرةٍ ومزايا وفيرة، منها ما يتعلق بذات الشريعة المطهرة وأنواع العبادات والمعاملات والطاعات والمثوبات يسرًا وسهولة، ومنها ما يتعلق بخدمة الشريعة ونقلها وتبليغها وتدوينها وضبطها وحفظها، وفي كل ناحية من هاتين الناحيتين خصائص غير قليلة.
ومن أهم هذه الخصائص التي أكرم الله بها الأمة الإسلامية في تبليغ الشريعة من السلف إلى الخلف خصيصة الإسناد؛ حيث كان كل واحد منهم ينقل العلم لمن بعده من الخلف سندًا معزوًا إلى قائله، وذلك في كل العلوم حتى إذا منَّ الله على الأمة الإسلامية بتثبيت نصوص الشريعة وعلومها، وأصبحت راسخة البنيان، محفوظة من التغيير والتبديل، تسامح العلماء في أمر الإسناد؛ اعتمادًا منهم على شيوع التدوين وثبوت معالم الدين.
ومعنى الإسناد هو مصدر من قولك: أسندت الحديث إلى قائله، إذا رفعته إليه بذكر ناقله.