وعرف عن البخاري رحمه الله كما جاء ذلك في تراجمه أنه كان يعقد مجالسَ لإملاء الحديث، ويكتب فيها عنه حتى كان له في بغداد وحدها ثلاثة من المستملين مما يدل على اجتماع ألوف من السامعين في مجالسه.
ولهذا فإن «الصحيح» قد تواتر نقله عن البخاري سماعًا وقراءة جيلًا بعد جيل من مختلف الأقطار، وثبتت كتابته أيضًا من نسخته الأصلية الخاصة، التي كانت تحت يد أشهر تلاميذه وهو الفربري.
ولذا يقول محمد بن يوسف الفربري: سمع كتاب «الصحيح» لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل، فما بقي أحد يُروَى عنه غيري.
وقد سبق ذكر الرواة الذين وقفت عليهم عن البخاري، ثم عن الطبقة التي تليه، ثم عن الطبقة التي تليهم وهكذا.
وهكذا تعددت الروايات لـ «الصحيح» وانتشرت في ربوع العالم الإسلامي، وتعددت لذلك نسخه الخطية؛ ولأجل كل ذلك حدث فروق بين النسخ الخطية لـ «الصحيح» في صور كثيرة من الاختلافات بعضها يتعلق بالسياق العام للكتاب، وبعضها يتعلق بالأسانيد، وبعضها يتعلق بالمتون وبعضها يتعلق بالكتب والتراجم الموضوعة للأبواب وغير ذلك.
وهذه الكثرة العددية كانت سببًا - نتيجة لاختلاف ضبط الرواة - لوجود كثير من الاختلافات بفعل العوارض التي تعرض للبشر من اختلافهم في الدقة والضبط والعناية وغير ذلك.
كما أن كثرة النسخ تؤدي إلى وقوع كثير من العيوب التي تنشأ من عامل الزمن والعوامل الطبيعية، وغير ذلك.
وهذه الفروق الموجودة لا تعد قادحة في سلامة عموم نصوص «الصحيح» ولا معارضة لثبوت تواتر مجموعه سماعًا ونقلًا عن البخاري