من الأمرين استقلالاً ويصبح المعنى على هذا التأويل: حملة ثلاثون شهراً، وفصاله ثلاثون شهراً أي إن المدة لكلٍ منهما (عامان ونصف) وبذلك يثبت أن مدة الرضاع عامان ونصف، وهو كما إذا قال إنسان عليه دين (لفلانٍ وفلان عندي مائة إلى سنة) فتكون السنة هي أجل كلٍ من الدَيْنَيْن، وكذلك هنا تكون الثلاثون شهراً مدة كلٍ من الحمل والرضاع. وهذا الرأي الذي ذهب إليه (أبو حنيفة) رحمة الله لم يوافقه عليه تلميذاه (أبو يوسف) و (الإمام محمد) بل قالوا بمثل قول الجمهور وهو أن مدة الرضاع المحرِّم عامان فقط.
الترجيح: ولعلنا بعد استعراض الأدلة نرجح قول الجمهور، لا سيّما وأنّ تلميذيه قد خالفاه فيما ذهب إليه، ودليل أبي حنيفة وإن كان وجيهاً إلا أن يحتاج إلى تكلفٍ في التأويل بخلاف دليل الجمهور. والله أعلم.
الحكم الثاني: كم هي مدة الحمل الشرعي؟
أجمع الفقهاء على أن أقل مدة الحمل هي ستة أشهر، وهذا الحكم مستنبط من قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وفصاله ثلاثون شَهْراً} [الأحقاف: 15] ومن قوله تعالى في الآية الأخرى {وفصاله فِي عَامَيْنِ} فمن مجموع الآيتين الكريمتين يبتيَّن أن أقل مدة الحمل هي ستة شهور. . قال (ابن العربي) في تفسيره: روي أن امرأة تزوجت فولدت لستة أشهر من يوم تزوجت، فأتي بها عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فأراد أن يرجمها، فقال (ابن عباس) لعثمان: إنها إن تخاصمْكم بكتاب الله تخصِمْكم، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَحَمْلُهُ وفصاله ثلاثون شَهْراً} [الأحقاف: 15] وقال: {والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة ... } [البقرة: 233] فالحمل ستة أشهر، والفصال أربع وعشرون شهراً، فخلّى عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه سبيلها.
وفي رواية أنّ (علي بن أبي طالب) قال له ذلك.
قال ابن العربي: وهو استنباط بديع.