الحكم الثالث: هل يباح الأكل من بيت الصّديق بغير إذنه؟
أباحة الآية الكريمة الأكل من بيوت من سمّى الله عَزَّ وَجَلَّ ّ من الأقارب، ومن بيوت الأصدقاء. وقد كان الواحد لا يأكل من بيت غيره تأثماً، فرخّص الله تعالى لأهل الأعذار (العمي، والعرج، والمرضى) أولاً ثمّ رخّص للنَّاس عامة، فلو دخلت على صديق فأكلت من طعامه بغير إذنه كان ذلك حلالاً.
قال الجصاص: «وهذا أيضاً مبني على ما جرت العادة بالإذن فيه، فيكون المعتاد من ذلك كالمنطوق به، وهو مثل ما تتصدق به المرأة من بيت زوجها بالكسرة ونحوها، من غير استئذانها إيّاه، لأنه متعارف أنهم لا يمنعون مثله، كالعبد المأذون والمكاتب يدعوان إلى طعامهما، ويتصدقان باليسير ممّا في أيديهما، فيجوز بغير إذن المولى. وقد روي عن نافع عن ابن عمر أنه قال:» لقد رأيتني وما الرجل المسلم بأحقّ بديناره ودرهمه من أخيه المسلم «.
وروى إسحاق بن كثير عن الرصافي قال:» كنا عند أبي جعفر يوماً فقال: هل يُدْخل أحدكم يده في كُمّ أخيه أو في كيسه فيأخذ ماله؟ قلنا: لا، قال: ما أنتم بإخوان «.
أقول: يباح للإنسان أن يأكل من بيت صديقه في غيبته لما بينهما من المودّة والصداقة، وقد جرت العادة بذلك، ودلت الآية عليه. والصديق يفرح بأكل صديقه عنده ويُسرّ غاية السرور. اللهم إلا إذا كان ممن قال فيهم الشاعر:
سِيَانِ كَسْرُ رغيفِهِ ... أو كَسْرُ عظم من عظَامِه
نسأله تعالى أن يقينا مرض البخل والشح إنه سميع مجيب الدعاء.