قال الجصاص في تفسيره «أحكام القرآن» : قوله تعالى: {والذين لَمْ يَبْلُغُواْ الحلم} يدل على بطلان قول من جعل حد البلوغ خمس عشرة سنة إذا لم يحتلم قبل ذلك، لأن الله تعالى لم يفرّق بين من بلغها وبين من قصّر عنها بعد أن لا يكون قد بلغ الحلم، وقد روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من جهات كثيرة
«رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يُقيق، وعن الصبي حتى يحتلم» ولم يفرّق بين من بلغ خمس عشرة وبين من لم يبلغها.
وأما حديث ابن عمر: أنه عرض على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يوم أُحد. . إلخ فإنه مضطرب لأن الخندق كان في سنة خمس، وأُحد في سنة ثلاث، فكيف يكون بينهما سنة؟ ثم مع ذلك فإن الإجازة في القتال لا تَعلُّق لها بالبلوغ لأنه قد يُرَدّ البالغ لضعفه، ويجاز غير البالغ لقوته على القتال. وطاقته لحمل السلاح كما أجاز (رافع بن خديج) وردّ (سمرة بن جندب) ويدل عليه أنه يسأله عن الاحتلام ولا عن السن.
وقد تكلم بكلام كثير انتصر فيه لمذهب الإمام حنيفة رَحِمَهُ اللَّهُ.
الترجيح: والصحيح هو قول الجمهور لما علمنا أن مثل هذا إنما يثبت بحكم العادة، وقد جرت العادة في الأغلب على الاحتلام في مثل هذا الس، فيكون هو سن البلوغ المعتبر في التكليف. وقد نص فقهاء الحنفية على أن الفتوى بقول (الصاحبين) وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة رَحِمَهُ اللَّهُ أيضاً فيكون هو المعتبر، وكفى الله المؤمنين القتال.
الحكم السادس: هل يعتبر الإنباتُ دليلاً على البلوغ؟
الراجح من أقوال الفقهاء أن البلوغ لا يكون إلا بالاحتلام أن بالسن وهي سن الخامس عشرة كما مر معنا، وقد روي عن الإمام الشافعي رَحِمَهُ اللَّهُ أنه اعتبر الإنبات دليلاً على البلوغ، واستدل بما روي عن (عطية القرظي)