منه، فقال عمرو: إنه زمر المروءة، ضيّق العَطَن، أحمقُ الأب، لئيم الخال. . ثم قال: يا رسول الله، صدقتُ فيهما، أرضاني أحسن ما علمتُ، وأسخطني فقلت أسوأ ما علمت، فقال عليه السلام:» إن من البيان لسحراً «» .
ورُوي أن رجلين قدما على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فخطب أحدهما فعجب الناس من فصاحته وبلاغته فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إنّ من البيان لسحراً» فإن قيل: كيف سمّى عليه السلام روحة البيان سحراً مع أنّ السحر مذموم عقلاً ونقلاً؟ {
فالجواب: أنّ هذا على (المجاز) لا على (الحقيقة) فالخطيب يستميل القلوب بحسن بيانه وروعة أدائه، وجمال تعبيره، كما يستميل الساحر قلوب الحاضرين إليه بخفته ورشاقته وتمويهه على الحاضرين، فمن هذا الوجه سمّي البيان سحراً.
اللطيفة السابعة: فإن قيل: كيف كان الملكان يعلّمان الناس السحر مع أنه حرام، ومعتقده كافر؟}
فالجواب: أنهما ما كانا يعلمان الناس السّحر للعمل به، وإنما للتخلُّص من ضرره، والاحتراز منه، لأن تعريف الشر للزجر عنه حسن وقد قيل:
عرفتُ الشرّ لا للشرّ ... لكن لتوقّيه
ومن لا يعرف الشرّ ... من الناس يقع فيه
وقد قيل لعمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إنّ فلاناً لا يعرف الشر، قال: أجدر أن يقع فيه. والصحيح كما قال الألوسي: أن ذلك كان للابتلاء والتمييز بين (المعجزة) و (السحر) والله أعلم.