وأما الشافعية فقالوا: الباء للتبعيض، وأقل ما يطلق عليه اسم المسح داخل بيقين، وما عداه لا يقين فيه فلا يكون فرضاً، وإنما يحمل على الندب.
قال الشافعي: «احتمل قوله تعالى: {وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ} بعض الرأس، ومسح جميعه، فدلت السنة على أن مسح بعضه يجزئ، وهو أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مسح بناصيته، وقال في موضع آخر: فإن قيل قد قال الله عَزَّ وَجَلَّ {فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ} في التيمم أيجزئ بعض الوجه فيه؟ قيل له مسحُ الوجه في التيمم بدل من غسله، فلا بدّ أن يأتي بالمسح على جميع موْضِع الغسل منه، ومسحُ الرأس أصلٌ فهذا فرق ما بينهما» .
قال القرطبي: «أجاب علماؤنا عن الحديث بأن قالوا: لعلّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فعل ذلك لعذر لا سيما وكان هذا الفعل منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في السفر وهو مظِنّة الإعذار، وموضع الاستعجال والاختصار، ثم هو لم يكتف بالناصية حتى مسح على العمامة، فلو لم يكن مسح جميع الرأس واجباً لما مسح على العمامة» .
أقول: الباء في اللغة العربية موضوعة للتبعيض، وكونها زائدة خلاف الأصل، ومتى أمكن استعمالها على حقيقة ما وضعت له وجب استعمالها على ذلك النحو، فالفرض يجزئ بمسح البعض، والسنّة مسح الكل، فما ذهب إليه الشافعية والحنفية أظهر، وما ذهب إليه المالكية والحنابلة أحوط والله أعلم.
الحكم الخامس: ما هي الجنابة وماذا يحرم بها؟
الجنابة معنى شرعي يستلزم اجتناب الصلاة، وقراءة القرآن، ومسّ المصحف، ودخول المسجد إلى أن يغتسل الجنب لقوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا} ، وقد بيّن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لحصول الجنابة سببين:
الأول: نزول المني للحديث الشريف «الماء من الماء» أي يجب الاغتسال