قال أبو حيان: «وإنما ذكر البيع من بين سائر المحرَّمات، لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق، إذ يكثر الوافدون من القرى إلى الأمصار ويجتمعون للتجارة إذا تعالى النهار، فأُمروا بالبدار إلى تجارة الآخرة، ونُهوا عن تجارة الدنيا حتى الفراغ من الصلاة» .
اللطيف الرابعة: كان السلف الصالح يقتدون برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في جميع أفعاله وحركاته وسكناته، حتى ولوْ لم يدركوا السرّ فيه، وذلك من فرط حبِّهم لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فقد روي عن بعضهم أنه كان إذا صلَّى الجمعة خرج فدار في السوق ساعة، ثم رجع إلى المسجد فصلَّى ما شاء الله تعالى أن يصلي، فقيل له: لأيّ شيء تصنع هذا؟ قال: إني رأيت سيّد المرسلين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هكذا يصنع، وتلا هذه الآية: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاوة} .
اللطيفة الخامسة: كان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: «اللهمّ إني أجبتُ دعوتك، وصلَّيتُ فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين» .
اللطيفة السادسة: في قوله تعالى: {واذكروا الله كَثِيراً} لطيفة وهي أن الله عَزَّ وَجَلَّ أمر بالسعي في طلب الرزق، والاشتغال بالتجارة، ولمّا كان هذا قد يسوق الإنسان إلى الغفلة، وربما دفعته الرغبة في جمع المال، إلى الكذب، والغش، والاحتيال، أُمِر المسلمُ أن يذكر الله تعالى، ليعلم أن الدنيا ومتاعها فانية وأن الآخرة وما فيها باقية، وأنّ ما عند الله خير وأبقى، فلا تشغله تجارة الدنيا عن تجارة الآخرة كما قال تعالى في وصف المؤمنين: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله} [النور: 37] وهذا هو السرّ في الأمر بذكر الله كثيراً فتدبره.