ولكن لا تعلمون، أو إنه محذوف ثقة بظهوره أي لو تعلمون حق العلم لعظّمتموه، أو لعملتم بموجبه، والفعل المضارع (تعلمون) ليس له مفعول على حدّ قولهم: فلانٌ يعطي ويمنع، وهو أبلغ وأدخل في الحسن ممّا لو كان له مفعول فتدبره.
اللطيفة الرابعة: قال الإمام الفخر: رَحِمَهُ اللَّهُ في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} : «القرآن مصدر أريد به المفعول وهو المقروء، كما في قوله تعالى {هذا خَلْقُ الله} [لقمان: 11] أي مخلوق الله، ووصفُه بالكريم فيه لطيفة، وهي أنَّ الكلام إذا قرئ كثيراً يهون في الأعين، والآذان، ولهذا ترى من قال شيئاً في مجلس الملوك، لا يذكره ثانياً، ولو قيل لقائله لم تكرّر هذا؟
اللطيفة الخامسة: قوله تعالى: {أفبهذا الحديث أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ} إطلاق الحديث على القرآن الكريم، كثيرٌ بمعنى كونه (اسماً) لا (وصفاً) فإنّ الحديث اسمٌ لما يُتحدث به، وهو وصفٌ يوصف به ما يتجدّد، فيقال: أمر حادث، ورسم حديث أي جديد، ويقال: أعجبني حديث فلان بمعنى كلامه، والقرآن قديم له لذة الكلام الجديد، فصحّ أن يسمّى (حديثاً) .
والإدْهان: تليين الكلام لاستمالة السامع، من غير اعتقاد صحة الكلام، كما يقول العدوّ لعدوّه: أنا أدعو لك، وأثني عليك، مداهنة منه وهو كاذب، فصار استعمال المدهن في المكذّب من هذا القبيل.
قال الزجّاج: معناه: أفبهذا القرآن أنتم تكذبون؟ .
اللطيفة السادسة: المناسبة بين المقسم به وهو (النجوم) ، وبين القسم عليه وهو (القرآن) أنّ النجوم جعلها الله ليهتدي بها في ظلمات البرّ والبحر، وآيات القرآن يهتدي بها في ظلمات الجهل والغواية، وتلك ظلمات حسيّة،