وتقديم (المن) على (الفداء) في الآية الكريمة للإشارة إلى ترجيح حرمة النفس على طلب المال، فالمجاهد في سبيل الله يقاتل لإعلاء كلمة الله، لا للمغنم المادي والكسب الدنيوي.
اللطيفة الرابعة: قوله تعالى: {حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا} في الآية الكريمة إشارة إلى أن الإسلام يكره الحرب ويمقتها، لأنها مخرّبة مدمّرة، والتعبير ب {أَوْزَارَهَا} للإشارة إلى أنّ ما فيها من آثام إنما ترجع على الذين أشعلوها وهم الكفار، المحاربون لله ورسوله، فلولا كفرُهم وإفسادُهم في الأرض لما كانت هناك حرب.
قال الإمام الفخر: «والمقصود من وضع الحرب أوزارها، انقارض الحرب بالكلية بحيث لا يبقى في الدنيا حزب من أحزاب الكفر، يحارب حزباً من أحزاب الإسلام، وإنما قال: {حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا} ولم يقل: حتى لا يبقى حرب، لأن التفاوت بين العبارتين كالتفاوت بين قولك: انقرضت دولة بني أمية، وقولك لم يبق من دولتهم أثر، ولا شك أن الثاني أبلغ، فكذا هاهنا» .
اللطيفة الخامسة: فإن قيل: لماذا لم يهلك الله الكافرين مع قدرته عليهم وأمرَ المؤمنين بالجهاد؟
فالجواب: أن الله عَزَّ وَجَلَّ ّ أراد بذلك أن يختبرعباده، فابتلى المؤمنين بالكافرين، ليختبر صبرهم على المكاره، واحتمالهم للشدائد، وابتلى الكافرين بالمؤمنين، ليطهّر الأرض من رجسهم، وينيل المؤمنين الشهادة في سبيله بسببهم، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: {ولكن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} .
فإن قيل: إن الله يعلم المؤمن من الكافر، والبّرّ من الفاجر، والمطيع من العاصي، فما هي فائدة هذا الابتلاء؟ فالجواب أن الابتلاء من الله تعالى