نبي ولكنه بشر يَأْلَمُ كما تَأْلَم، ويحس كما تحس، ويحزن، ويغتم، ويصيبه ويعرض له من الأدواء، والأرزاء ما يعرض للآخَرين، بل هو في ذلك أشد بلاءً، وأعظم امتحاناً من غيره.
وهذا يونس عليه السلام ويالها من شدة، وكربة، وجد نفسه فيها! لم يجد بشر نفسه فيها قبله، حيث حبسه الله في بطن الحوت، فأسقمه البلاء، قال تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيْمٌ} الصافات:145، نعم أسقمه السجن، وأمرضه، حتى عاد جسمه رخواً ليِّناً لا يقوى حتى على القيام، من الذي ما ساء قط، وما خص الرجال بالبلاء دون النساء؛ فللنساء من البلاء نصيب أيضاً.
فهذه مريم العذراء البتول رميت عن قوس الإفك بسهام الريبة، وتهمة الزنا؛ وهي الصبية العذراء العفيفة، الضعيفة التي لا تملك حيلة، ولا تستطيع سبيلاً، حتى تمنت الموت على الحياة ولم يكن هذا الذي كان، وهي المؤمنة التي تعلم أنه اختيار الله، وقدره، ومشيئته، فقالت: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيَاً مَّنْسِيّاً} مريم:23 والنسي المنسي هو اللبن الذي ترك حتى تغير طعمه ومذاقه، تتمنى أن لو كانت لبناً ترك