وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الدَّوَاعِيَ مُتَوَفِّرَةٌ عَلَى نَقْلِ كِتَابِ اللَّهِ وَدِينِهِ, فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأُمَّةِ كِتْمَانُ مَا يَحْتَاجُ الناس إلَى نَقْلِهِ حُجَّةً عَامَّةً. فَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ نَقْلًا عَامًّا صَلَاة سَادِسَة, وَلَا سُورَة أُخْرَى, عَلِمْنَا يَقِينًا عَدَمَ ذَلِكَ.
وَبَابُ الْوَعِيدِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي كُلِّ وَعِيدٍ عَلَى فِعْلٍ أَنْ يُنْقَلَ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا, كَمَا لَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ ذَلِكَ الْفِعْلِ.
فَثَبَتَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُتَضَمِّنَةَ لِلْوَعِيدِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا فِي مُقْتَضَاهَا: بِاعْتِقَادِ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ مُتَوَعَّدٌ بِذَلِكَ الْوَعِيدِ, لَكِنَّ لُحُوقَ الْوَعِيدِ بِهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى شُرُوطٍ؛ وَلَهُ مَوَانِعُ.
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَظْهَرُ بِأَمْثِلَةِ:
مِنْهَا: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ, وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ} (?) , وَصَحَّ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَالَ -لِمَنْ بَاعَ صَاعَيْنِ بِصَاعِ يَدًا بِيَدِ- {أوَّه, عَيْنُ الرِّبَا} كَمَا قَالَ: {الْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءً وَهَاءً} (?) الْحَدِيثَ.