اختلافهم في كون الدلالة قطعية

فَرُبَّ عَدَدٍ قَلِيلٍ أَفَادَ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَانَةِ وَالْحِفْظِ الَّذِي يُؤْمَنُ مَعَهُ كَذِبُهُمْ أَوْ خَطَؤُهُمْ, وَأَضْعَافُ ذَلِكَ الْعَدَدِ مِنْ غَيْرِهِمْ قَدْ لَا يُفِيدُ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ.

هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَطَوَائِفَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ.

وَذَهَبَ طَوَائِفُ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ كُلَّ عَدَدٍ أَفَادَ الْعِلْمَ خَبَرُهُمْ بِقَضِيَّةِ: أَفَادَ خَبَرُ مِثْلِ هذا الْعَدَدِ الْعِلْمَ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ. وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا.

لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَيَانِ ذَلِكَ.

فَأَمَّا تَأْثِيرُ الْقَرَائِنِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْمُخْبِرِينَ فِي الْعِلْمِ بِالْخَبَرِ فَلَمْ نَذْكُرْهُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْقَرَائِنَ قَدْ تُفِيدُ الْعِلْمَ لَوْ تَجَرَّدَتْ عَنْ الْخَبَرِ.

وَإِذَا كَانَتْ بِنَفْسِهَا قَدْ تُفِيدُ الْعِلْمَ لَمْ تُجْعَلْ تَابِعَةً لِلْخَبَرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ, كَمَا لَمْ يُجْعَلْ الْخَبَرُ تَابِعًا لَهَا. بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا طَرِيقٌ إلَى الْعِلْمِ تَارَةً, وَإِلَى الظَّنِّ أُخْرَى, وَإِنْ اتَّفَقَ اجْتِمَاعُ مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِهِ مِنْهُمَا, أَوْ اجْتِمَاعُ مُوجَبِ الْعِلْمِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَمُوجَبُ الظَّنِّ مِنْ الْآخَرِ.

وَكُلُّ مَنْ كَانَ بِالْأَخْبَارِ أَعْلَمَ, قَدْ يَقْطَعُ بِصِدْقِ أَخْبَارٍ لَا يَقْطَعُ بِصِدْقِهَا مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015