قَالَ الْعَلامَة المفنن ذُو الوزارتين أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن الْخَطِيب وَزِير سُلْطَان الأندلس فِي كَلَامه على رَأْي أهل الْوحدَة الْمُطلقَة وأرتكبت هَذِه الطَّائِفَة مرتكبا غَرِيبا من القَوْل بالوحدة الْمُطلقَة وهاموا بِهِ ورمزوا وأحتقروا النَّاس من أَجله قَالَ وَتَقْرِير مَذْهَبهم على سَبِيل الْإِحَاطَة لَا فَائِدَة فِيهِ وَحَاصِله أَن الْبَارِي سُبْحَانَهُ هُوَ مَجْمُوع مَا ظهر وَمَا بطن وَأَنه لاشيء خلاف ذَلِك وَأطَال الْكَلَام هُوَ وَغَيره من الْعلمَاء على ذَلِك كَمَا بسطت الْكَلَام عَلَيْهِ فِي غير هَذَا الْموضع وَسمعت بأذني هَذَا من بعض مشايخهم
وَالْحَاصِل أَن هَذَا القَوْل لم يقلهُ أحد من الْمُتَقَدِّمين وَإِنَّمَا حدث بَين المتصوفة الْمُتَأَخِّرين وَهُوَ شَرّ من مقَالَة الفلاسفة فَإِنَّهُم أثبتوا وجود وَاجِب الْوُجُود وَلم يُنَازع فِيهِ لَا معطل وَلَا مُشْرك إِلَّا أَن بعض النَّاس قَالُوا إِن هَذَا الْعَالم حدث بِنَفسِهِ وَلَيْسَ هَذَا بقول مَعْرُوف لطائفة يَذبُّونَ عَنهُ فَإِن حُدُوث الْحَوَادِث بِلَا مُحدث بُطْلَانه من أبين الْعُلُوم الضرورية غَايَته أَن الفلاسفة تَقول إِن الْفلك متحرك حَرَكَة إختيارية بِسَبَبِهَا تحدث الْحَوَادِث من غير أَن يكون قد حدث من جِهَة الله مَا يُوجب حركته فَإِن حَرَكَة الْفلك عِنْدهم بِالِاخْتِيَارِ كحركة الْإِنْسَان فَلم يثبتوا لحركة الْفلك مُحدثا أحدثها غير الْفلك كَمَا لم يثبت الْقَدَرِيَّة لأفعال الْحَيَوَان مُحدث أحدثها غير الْحَيَوَان وَلِهَذَا كَانَ الْفلك عِنْدهم حَيَوَانا كَبِير يَتَحَرَّك للتشبيه بِالْعِلَّةِ الأولى كحركة المعشوق للعاشق فَذَلِك المعشوق المحبوب هُوَ المحرك لكَون المتحرك أحبه لَا لكَونه أبدع الْحَرَكَة وَلَا فعلهَا
وَلِهَذَا قَالُوا إِن الفلسفة هِيَ التَّشْبِيه بالإله على حسب الطَّاقَة وَفِي الْحَقِيقَة لَيْسَ عِنْدهم الْبَارِي إِلَهًا للْعَالم وَلَا رَبًّا للْعَالمين بل غَايَة مَا يثبتونه أَن يكون شرطا فِي وجود الْعَالم وَأَن كَمَال الْمَخْلُوق أَن يكون مشتبها بِهِ
هَذَا ومقالة من يَقُول إِن الرب عين العَبْد هِيَ شَرّ من مقَالَة هَؤُلَاءِ الفلاسفة وَقد دخل كثير من أهل الاسلام فِي طرق مبتدعة يطول ذكرهَا