الأول إِن الله تَعَالَى قد عذب بالطوفان من قوم نوح المذنب وَمن لَا ذَنْب لَهُ بذنب غَيره كالأطفال وَبَقِيَّة الْحَيَوَانَات وَقد تقرر أَن الظُّلم الَّذِي هُوَ ظلم أَن يُعَاقب الْإِنْسَان على فعل غَيره وَهَذِه الْحَيَوَانَات قد عذبت كلهَا بِعُمُوم الطوفان بذنب قوم نوح
وَلَعَلَّ الْجَواب أَن هَذَا لَيْسَ من بَاب التعذيب والعقوبة وَإِنَّمَا هُوَ من بَاب الْهَلَاك والفناء ببلوغ الْآجَال الْمقدرَة على جري الْعَادة الإلهية من أَنه لكل مَوته سَبَب وَحِينَئِذٍ فَلم يُعَاقب من لَا ذَنْب لَهُ بذنب غَيره.
الثَّانِي أَن جرم الْكَافِر متناهي ومقابلة الجرم المتناهي بعقاب مَا لَا نِهَايَة لَهُ ظلم وَهُوَ على الله محَال وَلِهَذَا قَالَ قوم بِفنَاء النَّار وَعَذَاب الْكفَّار كَمَا بسطت الْكَلَام على هَذَا فِي مؤلف لطيف سميته تَوْقِيف الْفَرِيقَيْنِ على خُلُود أهل الدَّاريْنِ
وَلَعَلَّ الْجَواب أَن يُقَال ان جرم الْكَافِر أَيْضا غيرمتناهي لِأَنَّهُ بِمَوْتِهِ على الْكفْر أستمر كَافِرًا الى الْأَبَد وَوصف الْكفْر لَازم لَهُ كَذَلِك فَلم يُعَاقب بعقاب غير متناه إِلَّا بذنب غير متناهي
الثَّالِث أَنا نرَاهُ تَعَالَى يؤلم الْأَطْفَال الى الْغَايَة وَكَذَلِكَ بَقِيَّة الْحَيَوَانَات الَّتِي لَا تَكْلِيف لَهَا أصلا
وَلَعَلَّ الْجَواب إِن هَذَا لَيْسَ من بَاب الْعقَاب لِأَن الْعقَاب أَن تقع تِلْكَ الْعقُوبَة فِي مُقَابلَة ذَلِك الذَّنب بِخُصُوصِهِ وَأما هَذَا فَلَعَلَّهُ من بَاب الِابْتِلَاء وَالِاعْتِبَار {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} وَمِمَّا يدل على أَن هَذَا لَيْسَ من بَاب الْعقُوبَة أَن الله سُبْحَانَهُ لَا يُعَاقب أنبياءه وَرُسُله الْكِرَام مَعَ أَنا نجدهم من أَشد النَّاس بلَاء وَفِيهِمْ من قتل وَنشر بِالْمِنْشَارِ فَظهر أَن جِهَة الْبلَاء غير جِهَة الْعقُوبَة لِأَن الْعقُوبَة هِيَ الَّتِي تقع فِي مُقَابلَة الذَّنب لما مر وَلقَوْله تَعَالَى