وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه كَمَا أَن الْعدْل هُوَ وضع الشَّيْء فِي مَوْضِعه فَكل نعْمَة من الله فضل وكل نقمة مِنْهُ عدل لِأَنَّهُ محسن للْعَبد بِلَا سَبَب تفضلا وإحسانا وَلَا يُعَاقِبهُ إِلَّا بِذَنبِهِ وَإِن كَانَ هُوَ قد خلق الْأَفْعَال كلهَا لحكمة لَهُ فِي ذَلِك وَإِذا كَانَ الْإِنْسَان قد يفعل مصلحَة اقتضتها حكمته وَلَا تحصل إِلَّا بتعذيب حَيَوَان وَلَا يكون ذَلِك ظلما مِنْهُ فَالله تَعَالَى أولى أَن لَا يكون ذَلِك ظلما مِنْهُ ثمَّ اسْتِحْقَاق هَذَا الْفَاعِل لأثر فعله الَّذِي هُوَ مَعْصِيَته الله كاستحقاقه لأثره إِذا ظلم الْعباد فَتبين بِهَذَا أَن خلق الْفِعْل فِي العَبْد لَيْسَ بظُلْم سَوَاء قيل إِن الظُّلم مُمْتَنع من الله أَو قيل إِنَّه مَقْدُور عَلَيْهِ فَإِن الظُّلم الَّذِي هُوَ ظلم أَن يُعَاقب الْإِنْسَان على فعل غَيره وَأما عُقُوبَته على أَفعاله الاختيارية وإنصاف المظلومين من الظَّالِمين فَهُوَ من كَمَال الْعدْل وَإِذا كَانَ الْعقَاب على فعل العَبْد الِاخْتِيَارِيّ بِالنِّسْبَةِ لنا لَيْسَ بظُلْم فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ الى الرب تَعَالَى لَهُ فِيهِ حِكْمَة يحسن لأجل تِلْكَ الْحِكْمَة وبالنسبة الى العَبْد عدل لِأَنَّهُ عُوقِبَ على فعله فَمَا ظلمه الله وَلَكِن هُوَ ظلم نَفسه وَهَذِه الْمَسْأَلَة مَسْأَلَة غايات أَفعَال الله وَنِهَايَة حكمته مَسْأَلَة عَظِيمَة لَعَلَّهَا أجل الْمسَائِل الإلهية لَا يَتَّسِع هَذَا الْموضع لبسط الْكَلَام عَلَيْهَا
وأعتبر الْحَال لَو كَانَ المعاقب للعاصي غير الله يظْهر لَك الْعدْل وَعدم الظُّلم فَلَو عاقبه ولي الْأَمر إِذا أَمر الْغَاصِب برد الْمَغْصُوب الى مَالِكه وَضَمنَهُ التَّالِف أَنه يكون حَاكما بِالْعَدْلِ وَمَا زَالَ الْعدْل مَعْرُوفا فِي الْقُلُوب والعقول وَلَو قَالَ هَذَا المعاقب أَنا قد قدر عَليّ هَذَا لم يكن هَذَا حجَّة لَهُ بأتفاق الْعُقَلَاء كَمَا تقدم بَيَانه وَلَا مَانِعا لحكم الْوَالِي أَن يكون عدلا مِنْهُ فَالله تَعَالَى أعدل العادلين إِذا اقْتصّ للمظلوم فِي ظالمه فِي الْآخِرَة وأحق بِأَن يكون ذَلِك عدلا مِنْهُ فَإِن قَالَ الظَّالِم هَذَا كَانَ مُقَدرا عَليّ لم يكن هَذَا عذرا صَحِيحا وَلَا مسْقطًا لحق الْمَظْلُوم وَإِذا كَانَ الله هُوَ الْخَالِق لكل شَيْء فَذَاك لحكمة أُخْرَى لَهُ فِي الْفِعْل فخلقه تَعَالَى حسن بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لما لَهُ فِيهِ من