الأشرف إلى الحج. فلما وصلوا إلى ساحل البحر بأيلة غدر مماليك الأشرف به، وأرادوا القبض عليه فهرب، ورجع أكثر الناس. فصادف أن البرهان لقي طشتمر الدوادار وكان هو القائم في خلع الأشرف، فأغلظ له البرهان، وكان فِي جملة ما خاطَبه به: (أنت أثرتَ هذه الفتنة، وشققتَ عصا المسلمين. لئن أظفرني الله بك لأضرِبن عنقك) فأسرَّها طشتمر في نفسه، إلى أن صرفه عن القضاء بعد أن قرر عند الأمراء، أن القاضي برهان الدين كان يستقل الأشرف. فكيف تعظمون في عينه؟
وسمعه البرهان الإخنائي قاضي المالكية، لما خاطب طشمتر بذلك الكلام، فلامه على ما خاطب به طشتمر، وقال: (لا بأس أن تقتلونا جميعاً) . فما التفت إلى كلامه بل خاطبه بالسّب، ونسبه للعجز. ودخل الجميع إلى القاهرة فصرف بعد قليل وكان صرفه عن القضاء في الثامن عشر من شعبان سنة تسع وسبعين. وكان مدة ولايته الأولى ست سنين وأياماً. وتوجه إلى وظائفه بالقدس. واستقر القاضي بدر الدين ابن أبي البقاء، فباشر إلى أن كثر القول فيه، فاجتمع رأي بركة وبرقوق إلى صرفه، وإعادة البرهان. فطلب من القدس فحضر على البريد. وبات في صهريج منجك ليلة الخميس، ثالث عشرين شهر ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وسبعمائة ثم صعد القلعة يوم الخميس فخلع عليه وشيّعه أكثر الأمراء. ووصل إلى الصالحية وصلى بها على العادة، وقال: (مَن فارقناه على شيء فهو على حاله) . وأبطل من استجده ابن أبي البقاء. فباشر البرهان بعظمة وعفة ونزاهة، وصلابة فِي الحكم وترفع على العظماء، وتواضع مع الفقراء، وبذلك المجهود من الإحسان إلى الفقهاء والفقراء.
ومن جملة ما اتفق له، أن حاجب الحجاب آقبغا الكوكائي، كان في إقطاعه شيء موقوف، فأرسل القاضي عرفه به، وأن يسأل في التعويض عنه. فأجاب قاصده بأن السلطان أقطعني هذا. فاجتمع به بالقلعة فأعرض عنه. فأكب آقبغا على يد القاضي فلم يلتفت إليه. فقال ما ذنبي؟ قال: (ثبت عندي فسقك) ، وذكر له القضية. فأظهر التوبة والاستغفار، ونزل في الحال إلى بيت القاضي،
والمنشور معه فقال: (خذ هذا الإقطاع كله، تصرَّف فيه كيف شئت) . فقال: (بل نقتصر على القدر الموقوف) .
وفي هذه الولاية كتب مرسوم عن سلطان أن يكون للشافعي من النواب