وفيه دليل على فساد ما تقدم، وذلك أن امتحان الخلوص بالاغتسال لا يتصور في حد العمق، ولا يمكن أن يقال فيه بطريق الفرض؛ لأن الكلام في أنهم امتحنوا ما لا يخلص بنفسه بفعل حسي، وهو الاغتسال على زعمه، ثم ذرعوا ما لا يتحرك، فوجدوه عشراً في عشرٍ هذا ظاهر كلامه على ما لا يخفى. قوله: "ثم إن كانت النجاسة مرئيّة لا يتوضأ من موضع الوقوع"، يقال له: إذا كان الحكم هذا فأين الأصل الذي هو ادعيته، وهو أن الكثير لا ينجس، وكيف خرج هذا عن دليل الأصل الذي أوردته، وهو الحديث به، فليزمك أحد أمرين: إما عدم صحة الأصل الذي ادعيته، أو عدم صحة دلالة الحديث عليه، أو مخالفة الحديث بالرأي قوله: لاحتمال انتقالها إذا كان فرض المسألة في نجاسة مائعة وقعت في ما راكد فأين تنتقل؟ وهذا لا يجري هذا الاحتمال في البئر إذا وقعت فيها نجاسة مائعة ونزح بعضها. قوله: "ومنهم من قال: لا يجوز أيضاً؛ لأن الظاهر بقاؤها في الحال" ظاهر السوق أن هذا مرجوح بالنسبة إلى المتقدم، وقد صرح بذلك صاحب التحفة والبدائع على مآتي فقال له: قد علم أن الحكم يكون مع الظاهر، إلا أن يقوم دليل يخالفه، فكيف (ق3 / ب) كان الراجح هنا بخلاف الظاهر بلا دليل، واحتمال الانتقال قد علمت ما فيه، ثم مفهوم قوله: "بقاؤها في الحال" أنه إذا أتى عليها زمان بات يجوز بلا خلاف، ولم يظهر له وجه؛ لأنه متى حكم بنجاسته في الحال للاختلاط لا يحكم بطهارته بعد الاستهلاك، وهذا الكلام وإن كان قد سبق إليه الشيخ علاء الدين السمرقندي (?) في التحفة؛ حيث قال: "وأما إذا كان الماء راكداً اختلف العلماء. قال أصحاب الظواهر: بأن الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه كيفما كان؛ لقوله -عليه السلام-: "خلق الماء طهوراً لا ينجسه شيء" (?)، وقال عامة العلماء: إن كان الماء قليلاً ينجس، وإن كان كثيراً لا ينجس،