وفيه أُورد ما ذكره مكي بن أبي طالب في كتابه "الإبانة عن معاني القراءات"1 في سبب اختلاف القراءة فيما يحتمله خط المصحف.
وسنرى مكيًّا يرجع ذلك إلى أن الصحابة -رضوان الله عليهم- قرءوا القرآن بما تلقوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلّمهم إياه، وكان الصحابي لا ينكر على أخيه قراءة تتخالف هي, وقراءته لقوله عليه الصلاة والسلام: "نزل القرآن على سبعة أحرف، كل شافٍ كافٍ".
ولما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وتفرّق الصحابة في الأمصار، يفقّهون الناس في الدين، ويقرءونهم القرآن، أقرأ كل واحد منهم أهل مصره على ما كان يقرأ على عهد النبي، وعلى ما تلقاه عنه، فاختلفت قراءة أهل الأمصار على نحو ما اختلفت قراءة الصحابة الذين علموهم، وتلقوا عنهم.
فلما وجهت إليهم المصاحف التي كتبها عثمان, وكانت خالية من النقط والشكل, قرأ أهل كل مصر مصحفهم على ما كانوا يقرءون قبل وصول المصاحف إليهم، وكانت قراءتهم متصلة السند بالصحابة الذين تلقوا عن الرسول ... إلى جانب أنها لا تختلف مع خط المصحف ...
هذا هو التفسير الصحيح لاختلاف القراءات، ومن ذلك التفسير يتبين أن القراءات المتخالفة سابقة لرسم المصحف، وأن الصحابة ومن تلقى عنهم من أهل الأمصار قرءوا المصاحف التي وجهت إليهم على حسب ما تلقوه متصلًا سنده بالرسول، واختلفت قراءة أهل كل مصر عن الآخرين من أجل ذلك؛ لأنهم تخالفوا بسبب خلو المصاحف من النقط والشكل ...
وإليك ما قاله مكي في هذا الموضوع، قال2:
فإن سأل سائل: ما السبب الذي أوجب أن تختلف القراءة فيما يحتمل