وإذ انتهيت هنا في الرد على "جولدتسيهر" إلى أن القراءة أساسها التلقي والرواية, أود أن أشير إلى موضوع اختيار القراء وهو يتصل بسنية القراءة، والقول بالأثر فيها ذلك هو موضع "الاختيار عند القراء". فقد كان لعبد الله بن قيس التابعي المشهور "مات بعد 80هـ" اختيار في القراءة1.
وشيبة كان يقول: "انظر ما يقرأ أبو عمرو "154هـ" مما يختار لنفسه، فإنه سيصير للناس إسنادًا"2.
"وكان الكسائي "189هـ" يتخير القراءات؛ فأخذ من قراءة حمزة بعضها, وترك بعضًا"3.
"كما تجد ليحيى بن سليمان "277هـ" وأبي حاتم السجستاني "255هـ"4 مثل ذلك".
وأجد أبا علي الفارسي "277هـ" يقول في تخصيص حمزة بإمالة الأشرار والقرار وذات قرار، والقهار والبوار دون ما عداها من الكلم مما كان في قياسها على صورتها: "فالقياس في ذلك وغيرها واحد، ولعله اتبع في ذلك أثرًا, ترك القياس إليه، أو أحب أن يأخذ بالوجهين، وكره أن يرفض أحدهما ويستعمل الآخر، مع أن كل واحد مثل الآخر في الحسن, والكثرة"5.
والذي أريده هنا في عرض هذه الأمثلة من النصوص التي تشير إلى اختيار القراء في قراءتهم, أن أبين أن هذا الاختيار يكون صحيحًا إن وافق إثرًا مرويًّا يدعمه ويستند إليه. فلا يسبقن إلى الذهن أن القراء غير مقيدين في هذا الاختيار فهما لمعنى لفظ الاختيار على إطلاقه وعمومه، وإلا كانت المسألة فوضى لا نظام لها ولا رابط. وها هو ذا الشيخ طاهر الجزائري في كتابه التبيان بيّن قيود الاختيار حيث يقول: "الاختيار عند القوم أن يعمد من كان أهلًا له إلى القراءات