إن الأولى بالكسر في {إِنَّنَا} والثانية بالفتح في {أَنَّهُ} 1، وينفرد الكسائي بفتح همزة أنّ في قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} 2، فلِمَ لا يكون انفراده هذا في ذلك الحرف, متبعا فيه الرواية؟!
والدليل على ذلك -مثلا- في قول الله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا} قال الفراء: "قرأه القراء بالكسر، ولو قرئت بفتح أن على معنى: إذ لم يؤمنوا, ولأن لم يؤمنوا, ومن أن لم يؤمنوا لكان صوابا3، ومع ذلك لم يقرأ واحد من الأربعة عشر بفتح همزة إن, بل اتفق الجميع على أنها مكسورة الهمزة4.
ثم أرجو بعد ذلك أن نرى تأويل المبرد لحركة همزة "إن" في قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَت} 5.
ورابعًا: ولو كان الأمر راجعا إلى رسم المصحف, لصحت كل قراءة يحتملها الرسم ما دامت موافقة لوجه من وجوه العربية، ولكن الأمر جرى على غير ذلك.
وخامسًا: اختلف القراء في {مُوصٍ} من قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} 6: فقرئت {مُوصٍ} من أوصى، وقرئت "مُوَصٍّ" من وصّى. وقد يدل ظاهر الأمر على أن هذا الاختلاف مبعثه خلو الخط العربي من الشكل الضابط لنطق الكلمة، ولا أثر للرواية فيه, ولكن الاستيعاب والتعميق ينتهيان بنا إلى أن ذلك أثر من آثار الرواية لا طبيعة الخط, وآية ذلك أن في القرآن.
أوصى: وذلك قوله تعالى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} 7, فذلك دليل موصٍ.
وفيه كذلك وصّى في قوله: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} 8, وذلك دليل مُوَصٍّ.