كان يجلس الساعات والأيام يفكر ويرسم الخطط لتحقيق الأهداف، وبالتأكيد يظلله الوحي ويسدد تلك الخطوات.
لذا كان لهذا التحديد والوضوح أثر بالغ في التأثير في إسلام كثير من الصحابة، فالإنسان السوي يهمه وضوح الأهداف ودقة الرؤى في ما يطلب منه، لاسيما في مسألة تتعلق بنهايته المحتومة، وبآخرة إما إلى خلود في الجنة أو في النار-أعاذنا الله منها-.
فعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قال: بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافداً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله ثم دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس فى أصحابه، وكان ضمام رجلا جلداً أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى أصحابه، فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" أنا ابن عبد المطلب". قال: محمد؟ قال:" نعم". فقال: ابن عبد المطلب: إني سائلك ومغلظ فى المسألة، فلا تجدنًّ فى نفسك. قال:" لا أجد في نفسي، فسل عما بدا لك". قال: أنشدك الله، إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك: آلله بعثك إلينا رسولاً؟ فقال:" اللهم نعم". قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك: آلله أمرك أنْ تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئاً، وأنْ نخلع هذه الأنداد التى كانت آباؤنا يعبدون معه؟ قال:" اللهم نعم". قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك: آلله أمرك أنْ نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال:" اللهم نعم". قال-ابن عباس-: ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة، الزكاة، والصيام، والحج، وشرائع الإسلام كلها، يناشده عند كل فريضة كما يناشده فى التي قبلها، حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص. قال: ثم انصرف راجعاً إلى بعيره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ولّى:" إنْ يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة". قال: فأتى إلى بعيره فأطلق عقاله ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه فكان أوّل ما تكلم به أنْ قال: بئست اللات والعزى. قالوا: مه يا ضمام اتق البرص والجذام اتق الجنون. قال: ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إنْ الله عز وجل قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله، وإني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه. قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفى حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً. قال: يقول ابن عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة" (?).