وكذلك يشبه أن يكون الأمر في الحركة التي في الهواء والحركة التي هي في نفس القارع والمقروع في حاسة السمع، ولذلك ما نرى الحركتين المتضادتين في الماء عن وقع الحجارة فيه ليس تتعاوق الدوائر الحادثة عنها.
وأما المحسوسات التي يقبلها الجسم المركب فقط، أعني الممتزج فإما أن لا توجد لها الحاجة إلى هذا المعنى من التوسط، وأما أن وجد لها فبجهة أخرى، وكانت حاجة هذه إلى المتوسط مع حاجة تلك مع هذه بضرب من التشكيك. ولذلك الأشبه أن نقول في هذه الرطوبة أنها إنما تعين على هذا الفعل من جهة انه يعرض للمطعومات اليابسة أن تترطب بها بضرب من النضج يعتريها في الفم، ولذلك نجد اللوك والمضغ يعين على درك كثير من المطعومات، وبخاصة التي إنما ندركها بعد لبثها في الفم، والحال في هذه كالحال في بعض المشمومات التي تدرك بالفرك، وكان هذين الصنفين من المطعومات هي محسوسة بالقوة.
وأما المطعومات التي هي رطبة بالفعل فإما أن لا تحتاج إلى هذه الرطوبة في الفم، وأما إن احتاجت فحاجة يسيرة، ولذلك الأولى أن نقول في هذه الرطوبة إنها من بعض آلات الإدراك للذوق من أن نقول إنها متوسطة وأن هذه الحاسة مما تحتاج إلى متوسط. ونطلق القول في ذلك كإطلاقه في البصر والسمع والشم.
ولهذا نرى أن الإسكندر فيما قال أحفظ لوضعه، إذ كان الأشهر من حاسة المتوسط إنما هو أن يكون المحسوس غير ملاق لآلة الحس، وذلك أنه لما كان الأفضل في حفظ بقاء الحيوان أن لا يحس فقط بالمحسوسات التي يماسه بل وبالمحسوسات التي من خارج وعلى بعد منه ليتحرك نحوها أو عنها بالضرورة ما كانت الحاجة في هذه ماسة إلى متوسط.
ولما كانت هذه الآلة إنما تدرك الطعم من جهة ما هو رطب أو مترطب كان ما هو بالقوة شيء ما واجب فيه أن لا يكون بالفعل شيء من ذلك الذي هو قوي عليه كانت آلة هذا الإدراك يابسة.
ولما كانت هذه الرطوبة التي تترطب بها المحسوسات اليابسة حتى تدركها هذه الحاسة هي كالموصل بوجه ما بالواجب ما لزم فيها أن يكون غير ذات طعم في نفسها، وإلا لم تتأدبها الطعوم إلى الحاسة على كنهها كما يعرض ذلك للمرضى، وهذا من فعل هذه الرطوبة أقرب ما تشبه به إلى المتوسط.
ولما كانت هذه الحاسة وحاسة الإبصار يدركان محسوساتهما في موضوعاتهما الأول اشتركتا في إدراك الشكل والمقدار.
وأما حاسة السمع والشم فلما كانت تدرك محسوساتها وقد انفصلت عن موضوعاتها الأول لم يوجد لها هذا المحسوس المشترك والقول في هذه الأشياء على الاستقصاء يستدعي قولاً أبسط من هذا بكثير. لكن قولنا جرى في هذه الأشياء بحسب الأمر الضروري فقط، وأن فسح الله في العمر وجلى هذه الكرب فسنتكلم في هذه الأشياء بقول أبين وأوضح وأشد استقصاء من هذا كله، لكن القدر الذي كتبناه في هذه الأشياء هو الضروري في الكمال الإنساني وبه يحصل أول مراتب الإنسان. وهذا القدر لمن أتفق له الوقوف عليه بحسب زماننا هذا كثير، فقد قلنا ما هي هذه القوة وما آلتها وبأي جهة تدرك محسوساتها.
وأما القول في الطعوم وتفصيلها فأليق المواضع بذلك هو كتاب الحس والمحسوس.
وهذه القوة هي القوة التي من شأنها أن تستكمل بمعاني الأمور الملموسة، والملموسات كما قيل في كتاب الكون والفساد إما أول وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، وإما ثوان وهي المتولدة عن هذه كالصلابة واللين، وهذه القوة لما كانت إنما تدرك هذه الملموسات على نحو ترتيبها في وجودها فهي تدرك الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة أولاً وبالذات، وتدرك الكيفيات الأخر المتولدة عن هذه بتوسط هذه، ولهذه العلة بعينها لزم من تكون هذه القوة تدرك أكثر من تضاد واحد بخلاف ما عليه الأمر في البصر والسمع. وذلك أنه لما كانت إنما تدرك هذه الملموسة على نحو كنهها في وجودها وكانت كل واحدة من هذه الكيفيات تقترن به كيفية أخرى كالحرارة التي تقترن بها اليبوسة والرطوبة كان إدراكها لهذه القوى معاً.