ومنها: أن يبلغه الدليل لكنه يفهمه فهما بخلاف ما فهمه غيره من العلماء، أو يظن نسخه أو ترجيحه أو غيرها من الأسباب المبسوطة في مظانها، والواجب على طالب العلم إذا ورد عليه مثل هذه المسائل أن يجتهد في البحث واستقصاء الأدلة وما يرد على الأدلة من مناقشات ويكرر النظر ويدققه حتى يخرج بالرأي الذي تطمئن إليه نفسه، ويدين به ربه سبحانه، ثم مع هذا ليتق الله في علماء الأمة وليسلم لسانه من أعراضهم، أو الطعن في قصورهم ونياتهم، أو تتبع زلاتهم وهناتهم، فإن العالم كما لا يتبع في زلته فإنه لا يتبع بزلته؛ بل يعتذر عنه ويستغفر له ويظن فيه الظن الحسن ما دام على الجادة الحق سائرا وعن كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم صادرا وإليها واردا، فذاك حق له الدعاء والاستغفار، والله تعالى يقول في شأن المؤمنين: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (?) .

فنسأل الله لعلمائنا المغفرة والرحمة، كما نسأله سبحانه أن يرفع درجاتهم ويعلي منازلهم ويتجاوز عن سيئاتهم ويحشرنا وإياهم في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

ولما كان الأمر بهذه المثابة فإنا قد اخترنا أن تكون افتتاحية هذا العدد المبارك من مجلة البحوث، في مسائل فقهية تمس الحاجة إليها، وعادة العلماء البداءة بكتاب الطهارة؛ لأنه مفتاح الصلاة والصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ويبدءون من كتاب الطهارة بباب المياه ونحن على سننهم سائرون وبهم مقتدون، والله سبحانه الموفق والمعين. فنقول: باب المياه فيه مسائل:

المسألة الأولى: في تقسيم الماء وهل هو منقسم إلى قسمين أو ثلاثة، وبعبارة أخرى هل الطهور بمعنى طاهر أو أنه قسم له؟

في المسألة خلاف:

القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، إلى أن الطهور هو الطاهر المطهر.

أدلتهم:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015