فإن قيل: قد فرق النبي- صلى الله عليه وسلم -في حديث جبريل بين الإسلام والإيمان، والمشهور عن السلف وأئمة الحديث أن الإيمان قول وعمل ونية، وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان، وحكى الشافعي على ذلك إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم.

فالجواب أن الأمر كذلك، وقد دل على دخول الأعمال في الإيمان: الكتاب والسنة؛ أما من الكتاب فكقوله -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} 1، وأما من الحديث فكقوله في حديث أبي هريرة المتفق عليه: "الإيمان بضع وسبعون شعبة؛ أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان" 2 وغير ذلك.

فمن زعم أن إطلاق الإيمان على الأعمال الظاهرة مجاز، فقد خالف الصحابة والتابعين والأئمة، إذا عرفت ذلك، فاعلم أنه يجمع بين الأحاديث بأن أعمال الإسلام داخلة في مسمى الإيمان، شامل لها، ففسرت بالإسلام، وهي جزء مسمى الإيمان، لكون الإيمان شاملها، ولغيرها من الأعمال الباطنة والظاهرة.

فإذا أفرد الإيمان في آية أو حديث دخل فيه الإسلام، وإذا قرن بينهما فسر الإسلام بالأركان الخمسة، كما في حديث جبريل، فسر الإيمان بأعمال القلب، لأنها أصل الإيمان ومعظمه؛ وقوته وضعفه ناشئان عن قوة ما في القلب من هذه الأعمال أو ضعفها، وقد يضعف ما في القلب من الإيمان بالأصول الستة حتى يكون وزن ذرة، كما في الحديث الصحيح: "أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان" 3. فبقدر ما في القلب من الإيمان تكون الأعمال الظاهرة التي هي داخلة في مسماه، وتسمى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015